الفهرس

مقدمة في تاريخ الخمس

القسم الأول: حال الخمس والغنيمة قبل الإسلام:

بداية تشريع الخمس:

الخمس في غنائم الحرب:

الخمس في كلّ فائدة:

الخمس في كتب النبيّ صلى الله عليه وآله ورسائله:

عمّال الخمس:

تقسيم الخمس:

القسم الثالث: الخمس بعد زمان النبيّ صلى الله عليه وآله

الخمس في عهد أبي بكر:

الخمس في عهد عمر:

أحاديث الخاصة عن أمير المؤمنين عليه السلام في الخمس:

أحاديث العامّة عن أمير المؤمنين عليه السلام في الخمس:

الخمس في عهد الإمامين الحسن المجتبى والحسين الشهيد عليهما السلام:

زمان الإمام علي بن الحسين السجّاد عليه السلام:

من أحاديث الإمام السجّاد عليه السلام بشأن الخمس:

زمان الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام:

من أحاديث الإمام الباقرعليه السلام بشأن الخمس:

من أحاديث الإمام الصادق عليه السلام بشأن الخمس:

وكلاء الإمام الصادق عليه السلام:

زمان الإمامين الكاظم والرضا عليهما السلام :

من أحاديث الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام بشأن الخمس:

من وكلاء أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام المحمودين :

من أحاديث الإمام علي بن موسى عليهما السلام بشأن الخمس

:

من وكلاء أبي الحسن الرضا عليه السلام المحمودين :

زمان الإمام الجواد عليه السلام

من أحاديث الإمام محمّد بن علي الجواد عليه السلام بشأن الخمس:

من وكلاء الإمام الجواد عليه السلام:

زمان الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام :

من أحاديث الإمام علي بن محمّد الهادي عليه السلام بشأن الخمس:

من أحاديث الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام بشأن الخمس:

وكلاء الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام:

زمان الإمام الحجة بن الحسن عليه السلام.

من أحاديث وتوقيعات الإمام الحجة بن الحسن عليه السلام بشأن الخمس:

من وكلاء الإمام الحجّة عليه السلام:

القسم الرابع: دفع الشبهات عن شرعيّة الخمس:

الشبهة الأولى:

والجواب:

الشبهة الثانية:

الشبهة الثالثة:

الجواب:

الشبهة الرابعة:

والجواب:

الشبهة الخامسة:

الجواب:

مقدمة في تاريخ الخمس

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وآله الغرِّ الميامين، واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .

وبعد:

فإنّ الإسلام يمتلك نظاماً متكاملاً لتنظيم الحياة الإنسانيّة، وجعلها حياة سعيدة وهانئة، وهذا النظام لا يوجد له مثيل في سائر التشريعات الموجودة على وجه الأرض. ولا غرو في ذلك؛ فهو التشريع الوحيد الصافي الذي يرتبط بالسماء، والذي لم تمتدّ إليه يد التحريف والتبديل. ومن ضمن ذلك النظام: التشريعات الاقتصاديّة الّتي أقرّها الإسلام في المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية، والّتي تتكفّل بتنظيم الجانب الاقتصادي للفرد والمجتمع والدولة، خصوصاً الجانب الاقتصادي والمالي للفرد المسلم، ويظهر ذلك للمتتبِّع للفقه المالي في الإسلام بوضوح، حيث نجد أحكاماً خاصة بالموارد الماليّة العامّة، وواجبات الناس تجاه النظام الاقتصادي، ودعم خزينة الدولة ببعض أموالهم وممتلكاتهم.

ولا يتصوّر أحد: أنّ الفقه المالي في الإسلام منحصر في الخمس والزكاة، بل الأموال الّتي يتولاّها النبيّ صلى الله عليه وآله والإمام عليه السلام من بعده على عدّة أصناف، ولا تقتصر على الزكاة والخمس، نذكر منها:

1ـ الأنفال: وتشمل كلّ أرض ملكت بغير قتال، والموات، ورؤوس الجبال، وبطون الأودية، والآجام والغابات ـ إذا لم تكن لمالك خاصّ تبعاً للأرض ولو بالإحياء ـ ، والمياه والأحراش الطبيعية، والمراتع الّتي ليست حريماً لأحد، وقطائع الملوك، وضياعهم غير المغصوبة، فذلك كلّه أمره بيد الإمام عليه السلام.

2ـ الخراج والمقاسمة:

الخراج: عبارة عن النقد المضروب على الأرض(1)، كأن يدفع العامل عليها عشرة دنانير على كلّ جريب في كلّ سنة.

والمقاسمة: عبارة عن الشركة في حاصل الأرض الخراجيّة بالكسر المشاع(2)، كأن يكون عُشر حاصل الأرض للدولة


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــالصفحة 1ــــــــــــــــــــ

الّتي يقودها المعصوم عليه السلام.

ودفعهما واجب على من يعمل في الأراضي الّتي فتحها المسلمون بالقتال، وتصرف عوائدها في مصالحهم، بعد أن يكون للعامل فيها حصّة معيَّنة إزاء عمله، وإنّما تعود العوائد للمسلمين؛ لأنّ هذه الأراضي ليست للمقاتلين الذين فتحوها، بل هي ملك للمسلمين إلى يوم القيامة.

3ـ الجزية: وهي ما يفرضه الحاكم الشرعي على أهل الذمّة المتواجدين ضمن حدود الدولة الإسلامية(3)، فتفرض على رؤوسهم أو أراضيهم، إذا قاموا بشرائط الذمّة المقرّرة في محلّها.

4ـ المظالم: وهي ما يتعلّق بذمّة الإنسان بتعدّ أو تفريط أو إتلاف في مال الغير إذا لم يعرف صاحبها، فيصرفها الحاكم الشرعي في المصارف المقرّرة لها.

5ـ الأوقاف والوصايا والنذور العامّة.

6ـ الكفّارات:ككفّارة القتل عمداً أو خطأ، وكفّارة مخالفة النذر أو العهد أو اليمين،وما يتعلّق بذمّة الإنسان في الحجّ، فللحاكم الإسلامي أن يتولّـى أمرها بدلاً عن صاحب الكفارة، ويصرفها في محالّها.

7 ـ الزكاة: وهي ما يجب في تسعة أشياء: الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم، والنقدين، وهما: الذهب والفضة;


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ انظر جامع المقاصد 4 : 45 .
2ـ انظر جامع المقاصد 4 : 45 وفيه: (مقدار معين يؤخذ من حاصل الارض نسبته اليه بالجزئية كالنصف والثلث) .
3ـ انظر تذكرة الفقهاء 9 : 275 المسألة 160 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 2ــــــــــــــــــــ

والغلاّت، وهي: الحنطة والشعير والتمر والزبيب .

8 ـ زكاة الفطرة: وتسمّى زكاة الأبدان في قبال زكاة الأموال، وهي: الّتي تجب على كلّ مسلم في عيد الفطر عند توفّر شروطها .

9 ـ الخمس: وهو حقّ مالي فرضه اللّه سبحانه على عباده في موارد خاصة، لنفسه، ونبيّه صلى الله عليه وآله ، وذريّته عليهم السلام، وقد أراد الله تبارك وتعالى بتشريع الخمس إكرام أهل بيت النبيّ صلوات الله عليهم أجمعين وأسرته، وترفيعهم من أن يأخذوا أوساخ الناس في أموالهم .

والظاهر: أنّ عدّ ما يؤخذ من الناس أوساخاً مأخوذ من قوله تعالى في آية الزكاة، خطاباً لنبيه صلى الله عليه وآله : ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾(1) . فإنّ التطهير والتزكية إنّما يتعلّقان بما لا يخلو من دنس ووسخ ونحوهما .

وقد روي في الكافي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عيّاش، عن سليم بن قيس، قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: »نحن ـ والله ـ الذين عنى الله بذي القربى، الذين قرنهم الله بنفسه ونبيّه، فقال: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾ منّا خاصة، ولم يجعل لنا سهماً في الصدقة؛ أكرم الله نبيّه وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس« (2).

وروى مسلم في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : «إنّ هذه الصدقات إنما هي أوساخ الناس، وإنّها لا تحلّ لمحمد ولا لآل محمّد... ادعوا لي مَحْميَة بن جَزْء»، وهو رجل من بني أسد كان رسول الله صلى الله عليه وآله استعمله على الأخماس(3) .


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة التوبة: الآية 103.
2ـ الكافي 1 : 539 ، باب الفيء والانفال و تفسير الخمس .
3ـ صحيح مسلم 2 : 754 ، الحديث 1072/168 . ومسند احمد 5 : 173 ، الحديث 17065 مع اختلاف يسير.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 3ــــــــــــــــــــ

وكان النبيّ صلى الله عليه وآله إذا اُتي بطعام سأل عنه، فإن قيل: هدية أكل منها، وإن قيل: صدقة لم يأكل منها (1).

وقد آثرنا الحديث عن الخمس في هذه المقدمة من ناحية تاريخية؛ لأنّ هذا الجانب يمكن أن يكون ردّاً على من يناقش في موضوع الخمس، وينكر وجود بعض تفاصيله، الّتي ثبتت عبر مذهب أهل البيت عليهم السلام ، إضافة إلى عرض بعض الشبهات المثارة قديماً وحديثاً، مثل ما يقال من: أنّ الخمس إذا كان يتعلّق بكل فائدة سواء: كانت من الغنائم الحربية، أم من الكنوز والمعادن والغوص، أم من الأرباح فلماذا لا يوجد في كتب الأحاديث والآثار ما يدل على: وجوب الخمس في أرباح المكاسب في عصر النبيّ صلى الله عليه وآله ، وما بعده إلى زمان الإمامين الصادقين عليهما السلام ؟

ولماذا اقتصر أخذ الخمس في زمان النبيّ صلى الله عليه وآله على الغنائم الحربيّة، وربما الكنز؟

ولماذا اقتصر النبيّ صلى الله عليه وآله على بعث العمّال لأخذ الزكوات، ولم يرسل عمّالاً لأخذ أخماس الأرباح؟

وغيرها من التساؤلات الّتي سيتكفّل هذا البحث بالاجابة عنها.

وهذه المقدمة تتضمّن أربعة أقسام رئيسة:

الأول: حال الخمس والغنيمة قبل الإسلام.

الثاني: الخمس في زمان النبيّ صلى الله عليه وآله .

الثالث: الخمس بعد زمان النبيّ صلى الله عليه وآله .

الرابع: دفع الشبهات عن شرعيّة الخمس.


ـــــــــــــــــــــــــ
1 ـ صحيح مسلم 2 : 756 ، الحديث 1077 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 4ــــــــــــــــــــ

القسم الأول: حال الخمس والغنيمة قبل الإسلام:

لم تبيّن لنا المصادر التاريخيّة والروائيّة تفاصيل أنواع الحقوق الماليّة في الشرائع السابقة، سوى نزر قليل جدّاً وعلى نحو مقتضب في العهدين، وفي المصادر الإسلامية.

فقد جاءت الإشارة في التوراة الموجودة المسمّاة بالعهد القديم؛ تمييزاً لها عن الانجيل ـ والذي يصدّق كلّ ما جاء في التوراة ـ المسمّى بالعهد الجديد إلى: أنّه لم يكن يحق لأحد التصرّف في غنيمة الحرب، بل كان الواجب جمعها في مكان حتّى تنزل عليها نار من السماء فتحرقها، ولم تكن تحلّ لأحد منهم حتّى لأنبيائهم عليهم السلام .

فقد جاء في سفر يشوع في الإصحاح السادس في فتح أريحا: ... فتكون المدينة وكل ما فيها محرماً للرّب .. (18) .. وأحرقوا المدينة بالنار مع كلّ ما بها. إنّما الفضّة والذهب وآنية النحاس والحديد جعلوها في خزانة بيت الرب (25)«(1).

وجاء أيضاً: فضرباً تضرب سكان تلك المدينة بحدّ السيف، وتحرمها بكل ما فيها، مع بهائمها بحدّ السيف (16) تجمع كلّ أمتعتها إلى وسط ساحتها، وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتها كاملة للرب إلهك، فتكون تلاًّ إلى الأبد، لا تبنى بعد (17) (2).


ـــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الكتاب المقدس ( العهد القديم ): سفر يشوع:345، الآيتان 18 و 25. وراجع نسخة التوراة والإنجيل من موقع : www.arabicbible.com :379.
2ـ الكتاب المقدس ( العهد القديم ): سفر التثنية: 301، الآيتان 16و17.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 5ــــــــــــــــــــ

وهذان النّصان وإن لم يكن لهما اعتبار، إلا أنّ في نصوص الخاصة والعامّة ما يدل على ذلك وعلى حال الحقوق الماليّة عموماً قبل الإسلام:

فمن النصوص الواردة عن طريق الخاصة ما يلي:

1 ـ عن احمد بن محمد بن ابي نصر و محمد بن مروان جميعاً عن ابان بن عثمان عمّن ذكره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنّ الله تبارك وتعالى أعطى محمداً صلى الله عليه وآله شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام : التوحيد، والاخلاص، وخلع الأنداد ... وأحلّ لـه المغنم والفيء(1).

2 ـ عن إسماعيل الجعفي : أنه سمع أبا جعفر الباقر عليه السلام: يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : أعطيت خمساً لم يعطها أحد قبلي : جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأحلّ لي المغنم، ونصرت بالرعب، وأعطيت جوامع الكلم، وأعطيت الشفاعة(2).

3 ـ علي بن إبراهيم في تفسيره، رفعه في قوله تعالى : ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ قال : إنّ الله كان فرض على بني إسرائيل الغسل والوضوء بالماء، ولم يحلّ لهم التيمّم، ولم يحلّ لهم الصلاة إلا في البيع والكنائس والمحاريب. وكان الرجل إذا أذنب جرح نفسه جرحاً متيناً، فيعلم: أنّه أذنب، وإذا أصاب أحدهم شيئاً من بدنه البول قطعوه، ولم يحلّ لهم المغنم. فرفع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله عن أمّته (3).


ــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الكافي2: 17، باب الشرائع، الحديث1.
2ـ الأمالي للشيخ الصدوق: 285، المجلس الثامن والثلاثون، الحديث 6 . والخصال 1 : 323 باب الخمسة الحديث 56 مع اختلاف يسير، ومن لا يحضره الفقيه 1 : 240 الحديث 724 مع اختلاف يسير
3ـ وسائل الشيعة 3 : 351 ، الباب 7 من أبواب التيمم، الحديث 5 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 6ــــــــــــــــــــ

4 ـ روى ابن طاووس قدس سره عن كتاب نور الهدى مناظرة قوم من أحبار اليهود لعمر بن الخطّاب، وعجزه عن الجواب، وقيام مولانا علي عليه أفضل السلام بالحق والصواب، وشهادة الحبر من اليهود: بأنّه عليه السلام أحق بالأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله من كلّ من تقدم عليه، وأنّه أسلم بما هداه إليه. وقد جاء فيها في قصّة أصحاب الكهف: « قالوا : أتيناك بالعجب: هذا رجل قد وجد كنزاً وهي دراهم معه .

فقال الملك : إنّ نبينا عيسى عليه السلام أمرنا ألاّ نأخذ من الكنز إلا الخمس، فأعطنا ممّا وجدت الخمس، وسائر ذلك لك حلال ...(1).

5 ـ عن أبي عبد الله عليه السلام : »وأول من قاتل في سبيل الله إبراهيم، وأول من أخرج الخمس إبراهيم، وأول من اتّخذ النعلين إبراهيم، وأول من اتّخذ الرايات إبراهيم(2).

6 ـ قال ابن شهر آشوب: فارق صلى الله عليه وآله جماعة النبيّين بمائة وخمسين خصلة ... وفي باب الزكاة: حرّم عليه الزكاة والصدقة وهديّة الكافر، وأحلّ له الخمس والأنفال والغنيمة، وجعل زكاة المال ربح الخمس، لا ربح المال(3).

وهذه الروايات الأخيرة صريحة في الخمس، وقد ورد في الروايات السابقة ـ وسيأتي في روايات العامّة ـ بعنوان المغنم، وفيه احتمالان:

أحدهما: أن يراد به جميع ما يغنم، فجميع ما يحصل عليه المحاربون يكون لله، وليس للأنبياء السابقين، ولا لأممهم حقّ فيه، وهو حلال لهذه الأمّة، وهذا الاحتمال هو الظاهر، وهو صريح بعض الروايات الّتي تقدّم بعضها.

الثاني: أن يراد به: خمس ما يغنم، هذا إذا لم تقرن الأمّة به صلى الله عليه وآله ، أو يذكر الخمس مع الغنيمة، وتشهد له آية الخمس وبعض الروايات: كالروايتين الأخيرتين.


ـــــــــــــــــــــــــ
1 ـ التحصين لابن طاووس : 652 ـ 653 .
2ـ مجمع البيان1 : 375 ، سورة البقرة: الآية 124 .
3ـ مناقب آل أبي طالب 1: 124 فصل في ما خصّه الله تعالى به .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 7ــــــــــــــــــــ

ومن النصوص الواردة من طرق العامّة ما يلي:

1 ـ زيد الفقير قال: أخبرنا جابر بن عبد الله: أنّ النبيّ صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: أعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصلاة فليصلّ، وأحلّت لي الغنائم، ولم تحلّ لأحد قبلي .. (1).

2 ـ وعن زيد الفقير أيضاً، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: أعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد قبلي: كان كلّ نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كلّ أحمر وأسود، وأحلّت لي الغنائم، ولم تحلّ لأحد قبلي.. (2).

3 ـ عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: غزا نبيّ من الأنبياء، فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولمّا يبن بها، ولا أحد بنى بيوتاً ولم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنماً أو خلفات وهو ينتظر ولادها، فغزا، فدنا من القرية صلاة العصر أو قريباً من ذلك، فقال للشمس:

إنّك مأمورة، وأنا مأمور. اللهم احبسها علينا، فحبست حتّى فتح لله عليه، فجمع الغنائم، فجاءت ـ يعني: النار ـ لتأكلها، فلم تطعمها. فقال: إنّ فيكم غلولاً، فليبايعني من كلّ قبيلة رجل، فلزقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فليبايعني قبيلتك، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده، فقال: فيكم الغلول، فجاؤوا برأس مثل رأس بقرة من الذهب، فوضعوها، فجاءت النار، فأكلتها، ثم أحلّ الله لنا الغنائم؛ رأى ضعفنا وعجزنا، فأحلّها لنا (3).


ـــــــــــــــــــــــــ
1 ـ صحيح البخاري 1: 99 الحديث 335 .
2ـ صحيح مسلم 1 : 370 الحديث 521 .
3ـ صحيح البخاري 4 : 61 ، باب قول النبي صلى الله عليه وآله اُحلّت لكم الغنائم، الحديث 3124 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 8ــــــــــــــــــــ

وعلّق عليه العيني شارح صحيح البخاري بقوله: قوله : إنّ فيكم غلولاً، وهو الخيانة في المغنم، وكان من خصائص الأنبياء المتقدمين: أن يجمعوا الغنائم في مربد، فتأتي نار من السماء فتحرقها، فإن كان فيها غلول أو ما لا يحلّ لم تأكلها، وكذلك كانوا يفعلون في قرابينهم: كان المتقبّل تأكله النار، وما لا يتقبّل يبقى على حاله، ولا تأكله. ففضّل الله هذه الأمة، وجعلها خير أمة أخرجت للناس، وأعطاهم ما لم يعط أحداً غيرهم، وأحلّ لهم الغنائم(1).

3 ـ عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: أعطيت خمساً لم يعطها نبي قبلي: بعثت إلى الأحمر والأسود، وإنّما كان النبيّ يبعث إلى قومه، ونصرت بالرعب مسيرة شهر، وأطعمت المغنم، ولم يطعمه أحد كان قبلي، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وليس من نبي إلاّ وقد أعطي دعوة فتعجّلها، وإنّي أخّرت دعوتي؛ شفاعة لأمتي، وهي بالغة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئاً .

رواه الطبراني في الأوسط، واسناده حسن (2).

4 ـ عن أبي أمامة: أنّ رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: فضّلني ربي على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أو قال: على الأمم بأربع .قال: أرسلت إلى الناس كافّة ... وأحلّ لنا الغنائم (3).

5 ـ عن أبي أمامة، عن النبيّ صلى الله عليه [وآله] وسلم، قال : إنّ الله فضّلني على الأنبياء، أو قال: أمتي على الأمم، وأحلّ لنا الغنائم. وفي الباب عن علي وأبي ذر وعبد الله بن عمرو وأبي موسى وابن عباس. قال ابو عيسى: حديث أبي أمامة حديث حسن صحيح (4).

ـــــــــــــــــــــــــ
1 ـ عمدة القاري في شرح البخاري 15 : 43ـ44 ، باب قول النبي صلى الله عليه وآله اُحلّت لكم الغنائم، ح4213 .
2ـ مجمع الزوائد 8 :269 .
3ـ مسند أحمد بن حنبل 6 : 330 ، الحديث 21632 .
4ـ سنن الترمذي 55:3، الحديث 1593 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 9ــــــــــــــــــــ

ويستفاد من مجموع هذه النصوص: أنّ الغنيمة كانت محرّمة على الأمم السابقة، ولم تحلّل حتّى لأنبيائها، وأنّ الله سبحانه كان يرسل عليها ناراً من السماء ـ بعد أن تجمع في مكان ـ فتحرقها إذا لم يكن فيها غلول أو ما لايحلّ، وكان ذلك بليّة عظيمة عليهم، حتّى كان قد يقع فيها السرقة، فيقع الطاعون بينهم، فمنّ الله على هذه الأمة باحلالها(1) ؛ تفضيلاً لهم على سائر الأمم .

هذا كلّه بالنسبة إلى الأمم السابقة.

وأمّا ما قارب عصر النبوة الخاتمة وهو العصر الجاهلي فقد كانت تلك المجتمعات العربيّة تتألّف من قبائل تضمّ البطون والأفخاذ، يدير كلّ قبيلة رئيس وفق تقاليد عشائريّة موروثة.

ولما كانت مواردهم محدودة، مصدرها ما تدرّه الماشية عليهم التجأوا إلى التعيّش بالغزوات، وشنّ الغارات، واختطاف كلّ ما في أيدي الآخرين من متاع أو عرض، فالحروب بينهم متّصلة، والغارات متواترة، والأمر إلى من غلب، والملك لمن استولى، فلا أمن بينهم ولا أمانة، ولا سلم ولا سلامة. ويستثنى من ذلك قريش وبعض القبائل الأخرى الّتي أقامت فيما يشبه المدن، فلها نوع تحضّر، يميّزها عن بقية القبائل، فقد كانت تتعاطى التجارة والزراعة، لكن لم تكن هناك دولة بالمعنى المتعارف، أو نظام وإدارة، بل كانت التقاليد العشائريّة هي السمة المشتركة الّتي تجمع جميع القبائل.

وكان الرئيس عند العرب يأخذ ربع الغنيمة، ويقال للربع الذي يأخذه الرئيس : المرباع.

ـــــــــــــــــــــــــ
1 ـ بحار الأنوار 65: 324 ، الباب 26 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 10ــــــــــــــــــــ

فهذا قانون يلتزمون به، ويطبّقه جميعهم؛ اعترافاً منهم بمكانة الرئيس، وتقديراً منهم لمقامه، ويقال : ارتبع أمر القوم، أي: انتظر أن يؤمر عليهم، وهو على رباعة قومه، أي: هو سيدهم(1).

وذكر أهل اللغة: أنّ الربع صار يستعمل ويراد به الرئيس، ويشار به إلى الرئاسة والتنفّذ على الناس. جاء في الفائق في مادة ربع: يقول الله تعالى يوم القيامة : يابن آدم، ألم أحملك على الخيل والإبل، وزوّجتك النساء، وجعلتك تربع وتدسع؟ قال: بلى، قال: فأين شكر ذلك؟! المعنيّ بهذا: الرئيس؛ لأنّه هو الذي يربع ويدسع عند قسمة الغنائم، أي: يأخذ المرباع ويدفع العطاء الجزل من الدسيعة(2).

وفي مادة (خمس) من النهاية : ومنه حديث عدي بن حاتم: ربّعت في الجاهليّة، وخمّست في الإسلام، أي: قدت الجيش في الحالي، لأنّ الأمير في الجاهليّة كان يأخذ ربع الغنيمة، وجاء الإسلام فجعله الخمس، وجعل له مصاريف(3).

كما أنّ هناك ما يأخذه الرئيس غير المرباع، وهي الصفايا والنشيطة والفضول، ولذا قال شاعرهم :

لك المرباع منها والصفايا وحكمك والنشيطة والفضول

فالمرباع: ما وصفنا والصفايا: واحد صفيّ، وهو ما يصطفيه لنفسه، أي: يختار لنفسه من الغنيمة أيضاً قبل القسم، وحكمه ما احتكم فيها من شيء كان له، والنشيطة : ما مرّوا به في غزاتهم على طريقهم سوى المغار الذي قصدوا له، والفضول : ما فضل عن القسم، فلم يمكنهم أن يبعضوه صار له أيضاً، فكل هذه كانت لرؤساء الجيوش من الغنائم (4).

ـــــــــــــــــــــــــ
1 ـ النهاية في غريب الحديث 2: 189، مادة ( ربع ) .
2ـ الفائق في غريب الحديث 2: 9 ، مادة (ربع) .
3ـ النهاية في غريب الحديث 2: 79 ، مادة (خمس) .
4ـ غريب الحديث لابن سلام 3: 88 ، مادة (ربع) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 11ــــــــــــــــــــ

وقد احتفظ لنا التاريخ بأسماء كان لها الرئاسة في الجاهليّة، وكانت تأخذ الأرباع؛ دليلاً على سيادتها على قبائلها وعشائرها، منها:

1 ـ جرير ـ مضموم الجيم ـ ابن إساف بن ثعلبة بن سدوس، وكان شريفاً، وقد أخذ المرباع في الجاهلية (1).

2ـ الخطّاب بن مرداس رئيس بني فهر في زمانه، وكان يأخذ المرباع لقومه(2).

3 ـ عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب كان من شعراء الجاهلية وفرسانها، شاعر مشهور، وفارس مذكور، أخذ المرباع، ونال الرئاسة، وتقدّم على العرب، وأطيع في السياسة، وقاد الجيوش، وقمع العدو(3).

4 ـ أبو حوط الحظائر، من قبيلة النمر بن قاسط، شريف في قومه، وكان رئيساً فيهم، ويأخذ المرباع. قال الأخنس بن شهاب :

أناس أبو حوط الحظّ طائر ومن ربع المرباع في الباس والشبر»(4)

5 ـ عديّ بن حاتم الطائي، شريف في قومه مطاع، وكان يأخذ المرباع، مع أنّه محرّم عليه في دينه، فقد كان يعتنق الركوسيّة، وهي فرقة بين النصارى والصابئين(5)، قال له الرسول قبل أن يسلم: يا عديّ بن حاتم، أسلم تسلم قال: قلت: إنّي من أهل دين. قال: يا عديّ بن حاتم، أسلم تسلم . قال: قلت: إنّي من أهل دين. قالها ثلاثاً. قال: أنا أعلم بدينك منك. قال: قلت: أنت أعلم بديني منّي. قال: نعم . قال: أليس ترأس قومك؟ . قلت: بلى.


ـــــــــــــــــــــــــ
1 ـ تصحيفات المحدثين 2 : 649.
2ـ الاستيعاب في معرفة الأصحاب 2: 748 / 1255 .
3ـ الوافي بالوفيات 330:16 ، حرف العين / 3 .
4ـ تصحيفات المحدثين 3: 1094.
5ـ معجم الصحاح للجوهري: 425 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 12ــــــــــــــــــــ

قال: فذكر محمد الركوسيّة، قال كلمة التمسها يقيمها فتركها. قال: فإنّه لا يحلّ في دينك المرباع . قال: فلما قالها تواضعت منّي هنية(1)؛ فإنّ ذلك ليس من دين النصارى؛ لأنّ في دينهم: أنّ الغنائم لا تحلّ، كما تقدم.

وقال أبو مخنف: حدثني جعفر بن حذيفة من آل عامر بن جوين: أنّ عائذ بن قيس الحزمري واثب عديّ بن حاتم في الراية بصفّين، وكانت حزمر أكثر من بني عدي رهط حاتم، فوثب عليهم عبد الله بن خليفة الطائي البولاني عند علي، فقال: يا بني حزمر، على عديّ تتوثّبون، وهل فيكم مثل عديّ أو في آبائكم مثل أبي عديّ؟ أليس بحامي القربة، ومانع الماء يوم روية؟ أليس بابن ذي المرباع وابن جواد العرب؟(2).

وهذا النصّ يدلّ على: أنّ والده (حاتم) كان يأخذ المرباع أيضاً.

ولما جاء الإسلام بدّل هذه العادة، وشرّع بدلها الخمس للنبي والإمام بعده، فجعل سهم الرئاسة الخمس بدل الربع، الذي كان معمولاً به في الجاهلية، وقلّل مقداره، وكثّر أصحابه المستفيدين منه، فجعله سهماً لله، وسهماً للرسول صلى الله عليه وآله، وسهماً لذوي قرباه، وثلاثة أسهم لليتامى والمساكين وابن السبيل من فقراء أقرباء الرسول صلى الله عليه وآله وشرّع لزوم الخمس لكل ما يغنمه الفرد، ولم يخصّصه بما يغنمه في الحرب، وسمّاه الخمس مقابل المرباع في الجاهلية .

قال السهيلي في شرح غزوة حنين: كان في الجاهلية المرباع، أي: ربع الغنيمة، والصفيّ، أي: ما يصطفى للرئيس، فنسخ المرباع بالخمس، وبقي الصفيّ (3).


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ مسند أحمد 5 : 510 ، الحديث 18888 .
2ـ تاريخ الطبري 4 : 5 .
3ـ مواهب الجليل 5: 16 ، كتاب النكاح باب الخصائص .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 13ــــــــــــــــــــ

وورد في سبب نزول آية الفيء الّتي اشتملت على قوله تعالى شأنه: ﴿كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ (1) : أنّها نزلت في رؤساء المسلمين، قالوا له: يا رسول الله، خذ صفيّك والربع، ودعنا والباقي؛ فهكذا كنا نفعل في الجاهلية(2).

إلاّ أنّه قد ورد نص عن الأئمّة الأطهار عليهم السلام يفيد: أنّ من مآثر عبد المطلب جدّ النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه طبّق التخميس وغيره، فلقد كان على ملّة إبراهيم، الّتي هي الشريعة العيسوية غير المحرّفة.

والنص هو ما ورد في وصيّة النبيّ صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام : يا علي، إنّ عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها الله له في الإسلام ... ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدّق به، فأنزل الله عز وجل: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ الآية(3).

القسم الثاني: الخمس في زمان النبيّ صلى الله عليه وآله :

جاء الإسلام بنظم كاملة وشاملة من شأنها أن توفّر السعادة لمعتنقيه فيما إذا طبّقت على وفق ما أراده مشرّعها جلّ وعلا. ومن تلك النظم النظام الاقتصادي الذي يشكّل عصب الحياة لدى جميع الناس، وقد اعتمد الاقتصاد الإسلامي على حدود خاصة في الملكيّة الخاصة للأفراد، لا نجدها في الأنظمة الاقتصاديّة الوضعيّة. ومن أهمّ تلك الحدود حفظ التوازن الاجتماعي في المجتمع المسلم، مع السعي الجادّ للقضاء على التفاوت الفاحش في المستوى المعاشي لأبناء المجتمع، عبر إيجاد التوازن المعاشي فيما بينهم.


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة الحشر: الآية 7.
2ـ مجمع البيان في تفسير القرآن 9: 432 ، سورة الحشر: الآية 7 .
3ـ من لا يحضره الفقيه 4 : 352 ، الحديث 5765 ، الخصال 1 : 344 ، باب الخمسة الحديث90 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 14ــــــــــــــــــــ

فالملكية الخاصة وإن كانت لا تحدّ بحدّ ماليّ معيّن في الإسلام، فللمسلم أن ينمي ثروته المشروعة بلا قيد، إلاّ أنّ الإسلام أراد في الملكية حفظ حالة التوازن المعيشي.

وقد عمد الإسلام إلى عدة طرق لأجل الحفاظ على هذا المبدأ، منها: الفروض الماليّة الثابتة والمتكرّرة على الأموال: كالزكاة والخمس، ومنها: تحريم الاحتكار، ومنها: الندب للإنفاق والعطاء والسخاء، وغير ذلك.

والزكاة هي أهم تلك الطرق المشرّعة للحفاظ على ذلك التوازن، إلا أنّه لما كان قسم من المجتمع الإسلامي ـ ولأسباب تأتي قريباً ـ محروماً من الزكاة حيث لا يجوز له أن يتناول منها شيئاً، شرّع الخمس ليسدّ تلك الحاجة، الّتي كانت الزكاة تسدّها لغيرهم.

ومع أنّ الزكاة تشترك مع الخمس في أنّ كلاًّ منهما جزء من مال الناس، إلاّ أنّه ورد: أنّ الزكاة أوساخ الناس، وقد حرّمت على‏ بني هاشم وأهل البيت عليهم السلام دون الخمس، حتّى أنّ اللَّه خصّهم بالخمس، وحرّم عليهم الزكاة.

ولعل السبب في التعبير عن الزكاة بأنّها أوساخ وعن الخمس بأنّه حقّ هو:

أنّ الزكاة لا تخلو من شائبة امتنان من دافع الزكاة، فهي تشبه إلى حدٍّ بعيد نفقة واجبي النفقة، فإنّها لا تخلو من شائبة امتنان من المنفق على من ينفق عليه، وإن وجب عليه الانفاق شرعاً،كما أنّ أكثر الناس يبخل بأطايب المال في الصدقة، فلا تطيب أنفسها بدفعه، وتحرص على الاختصاص به، لذا خفّف اللَّه عنهم برحمته؛ لعلمه بضعف نيّتهم، وأمر بترك أخذ كرائم الأموال وأطايبها في الزكاة، فأطلق عليها أوساخاً ـ أي فضلات ـ ، ولذا سمّيت صدقة، والصدقة لا تخلو من شائبة انكسار في نفس المتصدّق عليه،فلذا حرّمها على بني هاشم؛ إعزازاً لهم، وتكريماً لرئيسهم، وهو النبيّ صلى الله عليه وآله.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 15ــــــــــــــــــــ

والخمس حصّة مفروضة على‏ سبيل الشركة مع المالك، فالخمس يشبه حقوق الشركاء، وهو حصّة شائعة تؤخذ من كلّ عين بشروط معينة فأرباب الخمس شركاء بالخمس مع المالك، فهو ملك لهم فلا يكون في دفع الخمس إلى مستحقّه أيّة منّة، بل خصّ الإمام بالأنفال وبصفو المال؛ امعاناً في إجلال مقامه، وسموّ مرتبته.

ولا يبعد أن يقال : إنّه مال للإمام بالأصالة، لا لفقره، ولذلك يملكه، وإن كان غنياً، ثم إنّه يصرف نصفه إلى فقراء الهاشميين، ويؤيده: أنّه لو كان الهاشميون كلهم أغنياء كان النصف الآخر أيضاً له(1).

وتحريم الزكاة على بني هاشم غير مطلق، بل يستثنى منه ما إذا لم يكفِهم ما يصلهم من الخمس، بحيث ضاقت عليهم سبل المعيشة. وقد ورد عن مولانا الصادق عليه السلام : لو كان عدل ما احتاج هاشميّ ولا مطلبي إلى صدقة. إنّ الله تعالى جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم، ثم قال : إنّ الرجل إذا لم يجد شيئاً حلّت له الميتة، والصدقة لا تحلّ لأحد منهم إلا أن لا يجد شيئاً، ويكون ممن يحلّ له الميتة(2).

وقال صاحب الجواهر ـ تعليقاً على ذيل هذا الحديث ما هذا مضمونه ـ : قد عبّرعليه السلام في ذيل الحديث بهذا التضييق؛ إرشاداً للذرية الطيبة إلى أن لا يجعلوا كلّ ضرورة وسيلة لتناول أوساخ الناس ويتنزّهوا عن ذلك تنزّههم عن كلّ وسخ وقذر وميتة(3).

والمهم عندنا هنا هو القاء نظرة سريعة على خصوص الخمس في زمان النبيّ صلى الله عليه وآله من حيث تشريعه، حيث نجد: أنّه قد دلّت الآثار الإسلاميّة من الأحاديث والأخبار التاريخيّة على: أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان

ــــــــــــــــــــــــ
1ـ شرح أصول الكافي 7: 397 ، شرح الحديث 4 من باب الفيء والانفال و تفسير الخمس.
2ـ الاستبصار 2 : 148 الحديث 111 . وسائل الشيعة 9 : 276 ، الباب 33 من ابواب المستحقين للزكاة، الحديث 1 .
3ـ جواهر الكلام 15 : 410 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 16ــــــــــــــــــــ

يأمر بدفع الخمس من كلّ فائدة وغنيمة، بما للغنيمة من معنى عام شامل لأرباح المكاسب أيضاً، ولم يكن صلى الله عليه وآله يقتصر على طلب خمس الغنائم الحربيّة والكنوز والمعادن.

بداية تشريع الخمس:

وجاء تشريع الخمس في بدء الدعوة في مكّة المكرّمة على ما يدل عليه حديث مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام لأصحاب الشورى حيث قال: نشدتكم بالله ... أفيكم أحد كان يأخذ الخمس غيري وغير فاطمة؟ قالوا: اللهم لا(1).

الخمس في غنائم الحرب:

وكان أول خمس أخذه صلى الله عليه وآله في سريّة عبد الله بن جحش إلى بطن نخلة، والّتي وقعت في رجب أو في جمادى الثانية من السنة الثانية للهجرة، في ثمانية، أو اثني عشر رجلاً من المهاجرين، وهي قبل بدر بأشهر.

قال أبو هلال العسكري: ورد عبد الله بن الجحش بالخمس على رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقسّم الباقي بين أصحابه، فكان أول خمس خمّسه(2).

وأما بالنسبة إلى غزوة بدر الكبرى الّتي نزلت فيها آية الخمس، وابتلي المسلمون فيها بمسألة الغنائم، فإنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يأخذ الخمس لنفسه بعد أن انتهت المعركة، ورأى اختلاف أصحابه على الغنائم وشدّة حرصهم عليها في هذه الواقعة، فما كان منه إلاّ أن أخّر تقسيم الغنائم إلى ما قبل الوصول إلى المدينة، بدون أن يأخذ منها الخمس؛ وذلك ترغيب منه صلى الله عليه وآله لهم، بعد أن رأى حرصهم عليها، وتكثير لسهامهم، وكان ذلك بإذن من الله سبحانه، وبسماحة من نفسه، ورضا من ذوي القربى.


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ كنز العمال 5: 725، الحديث 14243.
2ـ الأوائل للعسكري 1 :176.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 17ــــــــــــــــــــ

ثم إنّ التاريخ يحدثنا: بأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كما أنّه لم يأخذ الخمس في غزوة بدر، فإنّه لم يأخذه في غيرها أيضاً، فقد ورد عن عمرو بن شعيب: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صدر من حنين وهو يريد الجعرانة، سأله الناس، حتّى دنت به ناقته من شجرة، فتشبكت بردائه، حتّى نزعته عن ظهره، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ردّوا عليّ ردائي. أتخافون أن لا أقسم بينكم ما أفاء الله عليكم ؟ والذي نفسي بيده، لو أفاء الله عليكم مثل سمر تهامة نعماً لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلاً، ولا جباناً، ولا كذّاباً .

فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس، فقال: أدّوا الخياط والمخيط؛ فإنّ الغلول عار ونار وشنار على أهله يوم القيامة.

قال: ثم تناول من الأرض وبرة من بعير أو شيئاً، ثم قال: والذي نفسي بيده، ما لي ممّا أفاء الله عليكم، ولا مثل هذه، إلاّ الخمس، والخمس مردود عليكم(1).

فهذا النص والذي سبقه يوضّحان: أنّ الخمس كان مشرّعاً، إلا أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يأخذه، وتنازل عن حقه وحق ذوي القربى؛ لأنّهم لا يصدرون إلاّ عن رأيه، وأنّه كان يقسّم الغنائم فيهم بدون أن يأخذ له أو لقرابته شيئاً من الخمس؛ تأليفاً لقلوبهم، وتقوية لعزائمهم، واحساناً لهم.

هذا كلّه في غنائم الحرب.

الخمس في كلّ فائدة:

وأما غيرها ممّا يغنمه الانسان من: المكاسب وأرباح التجارات والكنوز والمعادن والغوص وغير ذلك ففيه


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ الموطأ 2: 457، كتاب الجهاد باب 13 الحديث 22 ، الاستذكار 5: 77 ب 13 ما جاء في الغلول ح 946 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 18ــــــــــــــــــــ

الخمس عند الشيعة الإمامية؛ تبعاً لأئمتهم عليهم السلام ، وقد دلّت عليه آية الخمس. قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾(1).

نزلت الآية يوم الفرقان، يوم التقى الجمعان، وهي غزوة بدر الكبرى.

وقد اتّفق علماء الإمامية على: أنّ المراد من ﴿ما غنمتم﴾ : كلّ ما يغنمه الإنسان من الأموال، بأي سبب مشروع، سواء: كان بالحرب والجهاد ضد الكفار، أم باستخراج المعادن من الأرض، أم بوجدان الكنوز، أم بالغوص، أم بتكسّب في نوع من أنواع التكسّب من: زراعة أو تجارة أو صناعة أوغيرها؛ وفاقاً لما يستفاد من موارد استعمال كلمة الغنيمة، كما في قوله تعالى في شأن الفدية الّتي تؤخذ من الأسير: ﴿فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾(2)، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ ...﴾ (3). ويلاحظ فيها: أنّ الغنيمة أطلقت على الفدية وعلى كلّ ما عند الله من الفوائد، وليس المراد: أنّ عند الله في الجنّة غنيمة حرب.

وعن النبيّ صلى الله عليه وآله : وصفة العاقل: أن يحلم عمّن جهل عليه، ويتجاوز عمّن ظلمه، ويتواضع لمن هو دونه، ويسابق من فوقه في طلب البرّ، وإذا أراد أن يتكلّم تدبّر، فإن كان خيراً تكلّم فغنم، وإن كان شراً سكت فسلم..(4).

وعن الإمام الصادق عليه السلام في دعاء ليلة النصف من شعبان: اللهم اجعلني ممّن سعد جدّه، وتوفّر من الخيرات حظّه، واجعلني ممّن سلم فنعم، وفاز فغنم(5).


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة الأنفال: الآية 41.
2ـ سورة الأنفال :الآية 69 .
3ـ سورة النساء :الآية 94.
4ـ تحف العقول عن آل الرسول:28.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 19ــــــــــــــــــــ

وقد كان أبو الحسن موسى بن جعفر يدعو عقيب الفريضة بما يلي: أنت الله الذي لا إله إلا أنت، لقد فاز من والاك، وسعد من ناجاك، وعزّ من ناداك، وظفر من رجاك، وغنم من قصدك، وربح من تاجرك(1).

إلى غير ذلك من موارد استعمالها.

ووفاقاً لما ذكره اللغويّون في تفسير الغنيمة:

قال في القاموس المحيط: إنّها الفوز بالشيء بلا مشقة(2).

وفي العين: الغنم: الفوز بالشيء في غير مشقة(3).

وفي المنجد: غنم الشيء يغنم: فاز به وناله بلا بدل، يقال: غنيمة باردة، أي: طيبة، أو بلا تعب، والغُنم بالغُرم، أي: مقابل به، فكما أنّ المالك يختصّ بالغُنم ولا يشاركه فيه أحد، فكذلك يتحمّل الغُرم وحده(4).

ثم إنّ تقييد بعض اللغويين الغنيمة بكونها الفوز بالشيء بلا مشقة لا يمكن المساعدة عليه؛ للزوم عدم شمول الغنيمة لأظهر أفرادها، وهي الغنائم الحربية؛ لأنّه من الواضح بمكان: أنّ ما يغنم في الحروب إنّما يحصل بغاية المشقة، وأيّ مشقة أكبر وأكثر من بذل النفس في سبيل كسب المعركة؟

كما أنّ التقييد بكون الفوز بلا بدل إنّما هو للتمييز بين الغنيمة والمعاوضة، فإنّه يعتبر في صدق الغنيمة أن تكون بلا بدل، دون المعاوضة، فإنّه يعتبر فيها البدل وحصول المبادلة، ولذا كانت المتاجرة في نفسها معاوضة، والربح الحاصل منها فائدة وغنيمة.

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ مصباح المتهجد: 60 .
2ـ القاموس المحيط 4 : 222 ، مادة (غنم).
3ـ العين: 722 ، مادة( غنم).
4ـ المنجد في اللغة: 561 ، مادّة (غنم) .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 20ــــــــــــــــــــ

والشيء الوحيد الذي استند إليه جماعة من مفسري أهل السنة هو: أنّ الآيات السابقة والآيات اللاحقة لهذه الآية تتعلّق بالجهاد، وهذا يكون قرينة على: أنّ آية ما غنمتم تتعلّق بغنائم الحرب.

ويُلاحظ عليه: أنّ أسباب النزول وسياق الآيات لا يخصّص عموميّة الآية، كما هو معلوم فليس الاستعمال في مورد إلاّ تطبيقاً للمعنى الكلّي على مورد خاص.

وبعبارة أوضح: لا مانع من كون مفهوم الآية ذا عموم، وأن يكون سبب نزولها هو غنائم الحرب في الوقت ذاته، فهي من مصاديق هذا المفهوم. ولهذا نظائركثيرة في القرآن الكريم والسنة الشريفة، فيكون الحكم عامّاً ومصداقه جزئيّاً وخاصاً.

فعلى سبيل المثال قوله تعالى: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾(1) فيها حكم كلّي هو وجوب الالتزام بأوامر النبيّ صلى الله عليه وآله ، إلاّ أنّ سبب نزولها هو الأموال الّتي تقع بأيدي المسلمين من دون حرب، وهي المسماة بالفيء.

وكذا في قوله تعالى: ﴿لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا﴾(2)، إذ اشتملت على حكم كلّي، مع أنّ الوارد في سبب نزولها يتعلق بالنساء المرضعات، والأمر موجّه إلى آباء الأطفال الرّضع بأن يعطوا المرضعات أجورهنّ حسب وسعهم. ففي هذين النموذجين وردت الآيتان في أمرخاص، إلاّ أنّه لا يمنع من عموميّة القانون الذي جاءت به.

وقد وافقنا القرطبي منهم؛ حيث صرّح في تفسيره: بأن الآية تشمل ـ كما تقتضيه اللغة ـ مطلق الفوائد والأرباح، وأنّها غير مختصّة بغنائم دار الحرب، وذكرها لغنائم دار الحرب إنّما كان من جهة بيان أحد المصاديق، وقد خصّصها


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة الحشر: الآية 7.
2ـ سورة البقرة : الآية 233.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 21ــــــــــــــــــــ

فقهاء أهل السنة بغنائم دار الحرب من جهة الاجماع(1).

ومعنى كلامه: أنّهم قد اتّفقوا على خلاف ظاهر الآية، وخلاف المتبادر منها، وليست هذه أول قارورة كسرت في الإسلام.

مع أنّ دعوى الاجماع هذه لا تتمّ، ولا حجيّة لها بعد ورود الأحاديث الّتي توجب الخمس في الغنائم في غير حال الحرب:

كقوله صلى الله عليه وآله فيما رواه البخاري وغيره: وفي الركاز الخمس(2).

والمراد بالركاز هو: الكنز المستخرج من باطن الأرض، وهو يشمل المعدن والكنز؛ لأنّه من الركز، أي: المركوز، سواء من الخالق أو المخلوق.

وقد استفاد بعضهم من هذا الحديث ذاته وجوب الخمس في العنبر واللؤلؤ، فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما ما مفاده: ليس العنبر بركاز، هو شيء دسره البحر.

ولعله مستند الحسن البصري، فقد روي بعده أيضاً عن الحسن قوله: في العنبر واللؤلؤ الخمس؛ فإنّما جعل النبيّ صلى الله عليه وآله في الركاز الخمس ليس في الذي يصاب في الماء(3).

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ انظر الجامع لأحكام القرآن 8 : 1ـ4.
2ـ صحيح البخاري 2: 166 الحديث 1499،كتاب الموطأ 2: 869 كتاب العقول باب 18 الحديث 12 .
3ـ صحيح البخاري 2: 165 ، الباب 65 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 22ــــــــــــــــــــ

ونحوه قوله صلى الله عليه وآله : العجماء جرحها جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس(1).

قال أبو يوسف في كتاب الخراج : كان أهل الجاهليّة إذا عطبَ الرجل في قُلَيب جعلوا القليب عَقَله، وإذا قتلته دابة جعلوها عقله، وإذا قتله معدن جعلوه عقله. فسأل سائل رسول اللّه صلى الله عليه وآله عن ذلك؟ فقال: العجماء جبّار، والمعدن جبّار، والبئر جبّار، وفي الركاز الخمس . فقيل له: ما الركاز، يا رسول اللّه؟ فقال: الذهب والفضّة الذي خلقه اللّه في الأرض يوم خلقت(2).

وعن أنس بن مالك قال: خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه [وآله] إلى خيبر، فدخل صاحب لنا إلى خربة يقضي حاجته، فتناول لبنة؛ ليستطيب بها، فانهارت عليه تبراً، فأخذها، فأتى بها النبيّ صلى الله عليه وآله فأخبره بذلك، قال: زنها ، فوزنها فإذا مائتا درهم، فقال النبيّ: هذا ركاز، وفيه الخمس(3).

وعليه، فهذه الروايات تفيد وجوب الخمس، وهو غير الزكاة، وقد صرّح أبو يوسف في كتاب الخراج بذلك، حيث قال: في كلّ ما أُصيب من المعادن ـ من قليل أو كثير ـ الخمس. ولو أنّ رجلاً أصاب في معدن أقلّ من وزن مائتي درهم فضّة أو أقلّ من وزن عشرين مثقالاً ذهباً فإنّ فيه الخمس، وليس هذا على موضع الزكاة، إنّما هو على موضع الغنائم.

وليس في تراب ذلك شيء، إنّما الخمس في الذهب الخالص والفضّة الخالصة والحديد والنحاس والرصاص، ولا

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ مسند الإمام أحمد بن حنبل 2: 501 ، الحديث 7407 .
2ـ كتاب الخراج:22.
3ـ مسند الإمام أحمد بن حنبل 3: 582 ، الحديث 11889 ومجمع الزوائد 3 : 77 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 23ــــــــــــــــــــ

يحسب لمن استخرج ذلك من نفقته عليه شيء، وقد تكون النفقة تستغرق ذلك كلّه، فلا يجب فيه الخمس، وفيه الخمس حين يفرغ من تصفيته قليلاً كان أو كثيراً، ولا يحسب له من نفقته شيء من ذلك.

وما استخرج من المعادن سوى ذلك من الحجارة مثل: الياقوت والفيروزج والكحل والزئبق والكبريت والمغرّة فلا خمس في شيء من ذلك، إنّما ذلك كلّه بمنزلة الطين والتراب.

قال: ولو أنّ الذي أصاب شيئاً من الذهب أو الفضّة أو الحديد أو الرصاص أو النحاس كان عليه دين فادح لم يُبطل ذلك الخمس عنه؛ ألا ترى: لو أنّ جنداً من الأجناد أصابوا غنيمة من أهل الحرب خُـمِّسَت، ولم ينظر أعليهم دين أم لا، ولو كان عليهم دين لم يمنع ذلك من الخمس.

قال: وأمّا الركاز فهو الذهب والفضة الذي خلقه اللّه عزّ وجلّ في الأرض يوم خلقت، فيه أيضاً الخمس، فمن أصاب كنزاً عاديّاً في غير ملك أحد ـ فيه ذهب أو فضّة أو جوهر أو ثياب ـ فإنّ في ذلك الخمس، وأربعة أخماسه للذي أصابه، وهو بمنزلة الغنيمة يغنمها القوم فتخمَّس، وما بقي فلهم(1).

وصدر كلامه يفيد: أنّ الخمس الوارد في هذا الموضع من مصاديق الغنيمة الواردة في آية الخمس، وهو يشهد لاطلاق الآية الشريفة، وإن كان قد خالف الحق الثابت عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في: أنّ ما استخرج من المعادن من الحجارة مثل: الياقوت والفيروزج والكحل والزئبق والكبريت والمغرّة لاخمس فيه، بل فيه الخمس؛ لأنّه من باب الغنائم الّتي عرفت شمولها لهذا النوع من الفوائد.

فالمتحصّل: أنّه لا وجه لتخصيص الغنائم بغنائم دار الحرب، كما فعله فقهاء العامّة، ويتراءى من بعض أهل اللغة والتفسير؛ لأجل نزولها في غنائم بدر؛ لأنّ المورد لا يكون مخصّصاً بعد عموم اللفظ لغة، وقد ورد عن العترة


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ كتاب الخراج:22.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 24ــــــــــــــــــــ

الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين في تفسير الغنيمة والغنائم أحاديث كثيرة.

ثم إنّ المستفاد من الآية الكريمة: أنّ موضوع الخمس هو الذي غنمه المسلمون، لا مطلق الغنيمة، وإن لم يغنموها، فانتساب الغنم إليهم مقوّم لموضوع الخمس، وعلى هذا فالخمس مغاير للفيء ؛ إذ الفيء ـ وإن صدق عليه أنّه غنيمة ـ إلاّ أنّه ليس مما غنمه المسلمون، وانتسب الغنم إليهم؛ فإنّه ما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فلم يدخل تحت حيازتهم حتّى ينتسب إليهم.

فيكون الفيء بأجمعه راجعاً ابتداء إليه تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وذي القربى؛ بمقتضى قوله تعالى: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾(1).

بخلاف ما غنمه المسلمون ودخل تحت سلطنتهم بالحيازة أو الاكتساب بوجه آخر، فإنّ الراجع منه إليه تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وذي القربى إنّما هو خمسه.

الخمس في كتب النبيّ صلى الله عليه وآله ورسائله:

يظهر من كثير من الكتب والرسائل: أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله كان يأمر بإخراج الخمس من مطلق ما يغنمه الإنسان من أرباح المكاسب وغيرها، وإليك بعض ما ورد في المقام:

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة الحشر: الآيتان 6و7.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 25ــــــــــــــــــــ

1 ـ ان وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله قالوا: إنّا حيّ من ربيعة، وبيننا وبينك كفار مضر ولسنا نستطيع ان نأتيك إلاّ في أشهر الحرم فمرنا بأمر إذا نحن اخذنا به دخلنا الجنة، ونأمر به أو ندعو من وراءنا فقال: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع، اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً فهذا ليس من الأربع، واقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وصوموا رمضان واعطوا من الغنائم الخمس وانهاكم عن أربع: عن الدباء والنقير والحنتم والمزفّت...) (1)

فالنبيّ صلى الله عليه وآله لم يطلب من بني عبد القيس أن يدفعوا غنائم الحرب؛ إذ كانت قبيلة ضعيفة لا تقدر على الحرب والقتال، بل صرّحوا: بأنّهم لا يستطيعون الخروج من حيّهم في غير الأشهر الحرم؛ خوفاً من المشركين، فكيف يحاربون ويغنمون؟

وعلى هذا يكون صلى الله عليه وآله قد قصد المغنم بمعناه الحقيقي في لغة العرب، وهو ما يفوزون به، وقد اوجب عليهم فيما أوجب أن يعطوا خمس ما يربحون.

ثمّ إنّ إعلان الحرب إنّما هو بيد النبيّ أو من يقوم مقامه بأمره، وليست الحرب على ماكانت عليه الجاهليّة؛ إذ إنّها في الإسلام ترتبط بما يراه النبيّ من مصلحة، والمغانم الّتي تحصل من جرّاء الحرب المشروعة تكون تحت تصرّف النبيّ أو نائبه، فإن كان النبيّ موجوداً في الواقعة كان هو المسؤول عن تقسيم الغنائم، وإن لم يكن موجوداً كان الأمر بيد قائد الجيش المأذون من النبيّ، فيأخذ منها الخمس ويرسلها إلى النبيّ صلى الله عليه وآله ، ويقسّم الباقي

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ مسند احمد بن حنبل 3 : 402 ، الحديث 10791 ، ورواها مع اختلاف يسير البخاري في صحيحه 1 : 150 ، الحديث 523 و 2 :134 ، الحديث 398 ورواها ايضا مع اختلاف يسير مسلم في صحيحه 1 : 46 ، الحديث 23.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 26ــــــــــــــــــــ

على أفراد الجيش. وإخراج الخمس في هذه الوصية ليس له ارتباط بالأفراد أنفسهم، مع أنّ كلامه صلى الله عليه وآله احتوى أوامر تختصّ بالفرد وتكون من وظائفه الخاصة: كالإيمان والصلاة والزكاة والخمس المأمور به هنا هو أحد تلك الأمور وعلى وزانها.

2 ـ كتب صلى الله عليه وآله لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن: بسم الله الرحمن الرحيم ... عهد من النبيّ رسول الله لعمرو بن حزم، حين بعثه إلى اليمن، أمره بتقوى الله في أمره كلّه، وأن يأخذ من المغانم خمس الله، وما كتب على المؤمنين من الصدقة من العقار عشر ما سقى البعل وسقت السماء، ونصف العشر مما سقى الغرب(1).

والكلام فيه هو الكلام فيما سبقه.

3 ـ كتب صلى الله عليه وآله إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال قيل ذي رعين ومعافر وهمدان: أما بعد، فقد رجع رسولكم، وأعطيتم من المغانم خمس الله(2).

فقد أخبر صلى الله عليه وآله : بأنّهم أدّوا ما عليهم من الخمس في مغانمهم، أي : فوائدهم ومكاسبهم، كما أنّهم أدّوا ما عليهم من الصدقة.

قال العلاّمة السيد جعفر مرتضى: وواضح: أنّنا لم نجد في التاريخ: أنّ حروباً قد جرت بينهم وبين غيرهم بعد إسلامهم، وأنّهم قد غنموا من تلك الحروب غنائم، وخمّسوها، وأرسلوها مع عمرو بن حزم(3).

4 ـ كتب صلى الله عليه وآله إلى سعد هذيم من قضاعة وإلى جذام كتاباً واحداً، يعلّمهم فيه فرائض الصدقة، وأمرهم أن يدفعوا الصدقة والخمس إلى رسوليه: اُبيّ وعنبسة أو من أرسلاه (4).

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ فتوح البلدان 1: 84 ح 217 ، مكاتيب الرسول 2: 519.
2ـ المستدرك على الصحيحين 1: 395 ، ومجمع الزوائد 3 : 71 ، وكنز العمال 5 : 867 الحديث 14573 مع اختلاف يسير .
3ـ الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله 5: 203 الخمس في كتب النبي صلى الله عليه وآله ورسائله ح 3 .
4ـ الطبقات الكبرى 1 :270 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 27ــــــــــــــــــــ

وليس المراد من الخمس هنا هو: خمس الغنائم؛ لأنّ هاتين القبيلتين قد أسلمتا حديثاً، ولم تخوضا حرباً بعد؛ ليكون المراد خمس الغنائم الحربيّة.

5 ـ كتب صلى الله عليه وآله للفجيع ومن تبعه : من محمد رسول الله صلى الله عليه وآله للفجيع ومن معه ومن أسلم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأطاع الله ورسوله وأعطى من المغنم خمس الله ...(1).

6 ـ كتب صلى الله عليه وآله لجنادة الأزدي وقومه ومن تبعه : ما أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأطاعوا الله ورسوله وأعطوا من المغانم خمس الله وسهم النبيّ صلى الله عليه وآله وفارقوا المشركين فإنّ لهم ذمة الله وذمة محمد بن عبد الله (2).

7 ـ كتب صلى الله عليه وآله لجهينة بن زيد فيما كتب : إنّ لكم بطون الأرض وسهولها وتلاع الأودية وظهورها، على أن ترعوا نباتها وتشربوا ماءها، على أن تقرّوا بالخمس(3).

8 ـ كتب صلى الله عليه وآله لمعاذ، قال اليعقوبي :

وكتب صلى الله عليه وسلم مع ذي يزن أما بعد، فإنّي أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو، أما بعد فقد وقع بنا رسولكم مقفلنا من أرض الروم؛ فلقينا بالمدينة، فبلغ ما أرسلتم، وقبلكم، وأنبأنا بإسلامكم، وقتلكم المشركين وأن الله عزوجل قد هداكم بهدايته إن أصلحتم وأطعتم الله، ورسوله، وأقمتم الصلاة، وآتيتم الزكاة، وأعطيتم

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ مجمع الزوائد 1: 30 ، واسد الغابة 4 : 350 / 4196 مع اختلاف يسير، والطبقات الكبرى 1 : 304 مع اختلاف يسير .
2ـ الطبقات الكبرى 1 : 270 ، واسد الغابة 1 : 356 / 798 مع اختلاف يسير، وكنز العمال 10 : 602 الحديث 30305 مع اختلاف يسير.
3ـ مجمع الزوائد 8 : 245 ، وكنز العمال 13 : 498 الحديث 37292 مع اختلاف يسير .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 28ــــــــــــــــــــ

من المغانم خمس الله تعالى وسهم نبيه وصفيه. (1)

9 ـ كتب صلى الله عليه وآله لبني ثعلبة بن عامر : عبيد الله بن ميمون بن عمرو بن خباب العبدي، قال: حضرت عمراً ومحمداً والصلت بن كريب العبديين، قال: جاءوا بكتاب، فوضعوه على يد ثمامة بن خليفة، وكانوا تشاحّوا فيه، فقالوا: إنّ جدّنا دفع إلينا هذا الكتاب، وأخبرنا: أنّ صيفي بن عامر دفعه إليه، وذكر صيفي: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كتبه له، فإذا فيه:

بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد رسول الله لصيفي بن عامر على بني ثعلبة بن عامر: من أسلم منهم وأقام الصلاة وآتى الزكاة وأعطى خمس المغنم وسهم النبيّ والصفيّ فهو آمن بأمان الله الحديث(2).

10 ـ كتب صلى الله عليه وآله لعمرو بن معبد الجهني وبني الخرقة من جهينة وبني الجرمز من جهينة : من أسلم منهم، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وأطاع الله ورسوله وأعطى من الغنائم الخمس، وسهم النبيّ الصفيّ، ومن أشهد على إسلامه، وفارق المشركين، فإنّه آمن بأمان الله وأمان محمد. وما كان من الدين مدونة لأحد من المسلمين، قضي عليه برأس المال، وبطل الربا في الرهن، وإنّ الصدقة في الثمار العشر، ومن لحق بهم فإن له مثل ما لهم(3).

قال العلاّمة السيد جعفر مرتضى: وقد أوجب صلى الله عليه وآله الخمس في ستّ عشرة رسالة أخرى، بل أكثر، كان قد أرسلها إلى القبائل ورؤسائها، وهي: قبيلة بكاء، وقبيلة بني زهير، وحدس، ولخم، وبني جديس، وللأسبذيين، وبني معاوية، وبني حرقة، وبني قيل، وبني قيس، وبني جرمز، ولأجناده وقومه، وقيس وقومه، ولمالك بن أحمر، ولصيفي بن عامر شيخ بني ثعلبة، والفجيع ومن تبعه، ونهشل بن مالك رئيس بني عامر، ولجهينة


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ اسد الغابة 2 : 180/1561 ، وكنزل العمال 4 : 440 الحديث 11309 مع اختلاف يسير .
2ـ الإصابة في تمييز الصحابة 3 : 368/4131 .
3ـ الطبقات الكبرى 1 : 271 ـ 272 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 29ــــــــــــــــــــ

بن زيد، وذكر أيضاً في رسالة لليمن، ولملوك حمير، ولملوك عمان وذكر لذلك مصادر كثيرة(1).

والواضح من هذه الرسائل: أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يكن يطلب منهم أن يدفعوا خمس غنائم الحرب الّتي اشتركوا فيها، بل كان يطلب ما استحق في أموالهم من خمس وصدقة .

ثم إنّه كان يطلب منهم الخمس، دون أن يشترط في ذلك خوض الحرب واكتساب الغنائم، ولو كان ثمّة اشتراط لذكره صلى الله عليه وآله .

هذا مضافاً إلى أنّ إعلان الحرب وإخراج خمس الغنائم على عهد النبيّ صلى الله عليه وآله كانت من شؤونه صلى الله عليه وآله، فما معنى طلبه الخمس من الناس، وتأكيده في كلّ تلك الكتب والرسائل، فظهر: أنّ ما كان يطلبه صلى الله عليه وآله لم يكن مرتبطاً بغنائم الحرب.

عمّال الخمس:

وقد ظهر ممّا قدّمناه من الكتب والرسائل: أنّ دفع الخمس للنبي صلى الله عليه وآله وأخذه له كان معروفاً ومشهوراً، ويظهر من النصوص المتقدمة: أنّه كان للنبي صلى الله عليه وآله عمّالاً للخمس، كما كان له عمّالاً للصدقات، وإن كان عمّال الخمس قليلين بالنسبة إلى عمّال الصدقات. ولعل ذلك يرجع إلى طبيعة الثروة السائدة في شبه الجزيرة العربيّة، حيث كانت تتألّف من الأنعام والنخيل وبعض المزروعات، ولا ريب في أن الأنعام الثلاث والنخل والحنطة والشعير والكرم ـ إذا يبس ـ تتعلّق بها الزكاة.

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله 5: 204، ح 5، الخمس في كتب النبي صلى الله عليه وآله ورسائله .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 30ــــــــــــــــــــ

وأما التجارة فلم يكن لها رواج في أكثر الجزيرة، مضافاً إلى وجود شرط زيادة الربح عن المؤونة، وهو ما لم يكن يتوفر لأغلب الناس يومئذٍ، وليس استخراج المعادن بأحسن حالاً من التجارة، بل يمكن الادعاء: بأنّه لم يكن معمولاً به في ذاك الزمان.

وأما الغوص والكنوز فقليلاً ما يتّفق حصولهما.

ولعلّ عمال الزكاة كانوا مسؤولين أيضاً عن استلام الأخماس، ولم تكن حاجة فعليّة لنصب عمال مختصّين بالأخماس في قبال عمّال الزكاة، ويشهد له ما مرّ من قوله صلى الله عليه وآله : أما بعد، فقد رجع رسولكم، وأعطيتم من المغانم خمس الله(1).

كما يمكن أن يكون للسياسة الّتي اتّبعها المتسلّطون على الخلافة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله الدور الأكبر في إهمال الرواة وكتّاب التأريخ لذكر أسماء عمّال الخمس والحوادث والخصوصيّات المرتبطة بهم؛ لمعارضة ذلك لما انتهجوه من سياسة إقصاء البيت الهاشمي وحرمانه من حقه المشروع من الله سبحانه.

إلا أنّ هناك موارد احتفظ لنا التأريخ بها، أفلتت من مقصّ الرقيب، وبيّنت: أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان يبعث العمّال لأخذ الأخماس وحدها أو مع الزكاة والصدقات.

فمنها: أنّه صلى الله عليه وآله قد أرسل عمرو بن حزم إلى اليمن، وامره أن يأخذ من المغانم خمس الله وما كتب على المؤمنين من الصدقة... بأخماس بني عبد كلال اليمنيين، وقد مرّ ذلك قريباً(2).


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ المستدرك على الصحيحين 1: 395.
2ـ فتوح البلدان 1: 84 مكاتيب الرسول: 2: 519.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 31ــــــــــــــــــــ

ومنها: أنه صلى الله عليه وآله: ولّى علي بن أبي طالب الأخماس باليمن، والقضاء بها (1).

ومعلوم: أنّ أهل اليمن قد أسلموا طوعاً، ولم يكن بينهم وبين غيرهم حرب.

وقد خمّس علي عليه السلام الركاز في اليمن(2).

ومنها: أنّه صلى الله عليه وآله جعل محمية بن جزء ـ وهو رجل من بني أسد ـ على الأخماس ففي صحيح مسلم، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي: أنّ عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أخبره: أنّ أباه ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب والعباس بن عبد المطلب قالا لعبد المطلب بن ربيعة وللفضل بن عباس: ائتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ... ثم قال لنا : إنّ هذه الصدقات إنّما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحلّ لمحمد ولا لآل محمّد . وقال أيضاً: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادعوا لي محمية بن جزء، وهو رجل من بني أسد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله على الأخماس(3).

والحاصل: أنّه قد ثبت: أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان يؤكّد على الخمس في كلّ ما يصدق عليه الغنيمة، كما كان يؤكّد على بقيّة الفرائض، ويأخذ الخمس من الأرباح، كما يأخذه من غيرها، كما ثبت بعثه للعمّال لأخذ الخمس مع الزكاة جنباً إلى جنب.

هذا كلّه من جهة سعة متعلّق الخمس.


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ الوافي بالوفيّات 1: 69 .
2ـ زاد المعاد 1: 32، وراجع سنن أبي داود 3: 127 باب كيفية القضاء.
3ـ صحيح مسلم 2 : 754 الحديث 1072 / 168 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 32ــــــــــــــــــــ

تقسيم الخمس:

فالمشهور بين الإمامية ـ تبعاً لأئمة الهدى عليهم السلام ـ : أنّه يقسّم ستّة أقسام: ثلاثة للنبي صلى الله عليه وآله، وهي سهم الله، وسهم رسوله، وسهم ذي القربى، وهذه الأقسام بعده للإمام القائم مقامه صلى الله عليه وآله .

والثلاثة الأخر لليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل من بني هاشم، وهذا هو الموجود في آية الخمس.

إلاّ أنّ مَن تقمّصوا الخلافة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وأزالوا الحق عن أمير المؤمنين عليه السلام أرادوا إضعاف موقف أمير المؤمنين وأهل بيته، بصرف سهم ذوي القربى في الكراع والسلاح، بعد أن اسقطوا سهم رسول الله صلى الله عليه وآله . وقد روي عن الحسن وقتادة في سهم ذي القربى: كانت طعمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته، فلما توفّي حمل عليه أبو بكر وعمر في سبيل الله(1).

إلا أنّه نقل الفاضلان عن بعض الأصحاب: أنّه يقسم خمسة أقسام: سهم للرسول صلى الله عليه وآله، وسهم لذي القربى يقسم فيهم، والباقي لليتامى، والمساكين، وأبناء السبيل.

واختلف العامّة، فعن أبي العالية الرياحي موافقة الأول، وعن الشافعي وأبي حنيفة موافقة الثاني، وقالا: إنّ سهماً للرسول صلى الله عليه وآله ، ومصرفه المصالح، وسهماً لذي القربى، ومصرفه فيهم، والثلاثة الأخر لليتامى والمساكين وأبناء السبيل من المسلمين كافة(2).

وقد اعترف بعض علماء العامّة في نصوص كثيرة بذلك، إلا أنّهم أسقطوا سهم الله، ودمجوه مع سهم النبيّ صلى الله عليه وآله ، فتكون السهام ـ على هذا ـ خمسة، كما أنّ آخرين ـ تصحيحاً لما آل إليه أمر الخلفاء من مواجهة النص


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ المغني 6 : 406 ، جامع البيان المجلد السادس الجزء 10 : 11 سورة الانفال الحديث 12513 .
2ـ غنائم الأيّام 4: 359 ، المبحث الثاني كم قسم يقسم الخمس .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 33ــــــــــــــــــــ

الإلهي والوقوف ضدّه ـ تصرّفوا في معنى ذوي القربى. وهذه بعض تلك النصوص :

1ـ عن ابن عباس رضي الله عنه : أنّه كان على ستّة أسهم: لله وللرسول سهمان، وسهم لأقاربه حتّى قبض، فأجرى أبو بكر رضي الله عنه الخمس على ثلاثة، وكذلك روى عن عمر ومن بعده من الخلفاء (1).

2ـ روى ابن عباس: أنّ أبا بكر وعمر قسّما الخمس على ثلاثة أسهم، ونحوه حكي عن الحسن بن محمد بن الحنفيّة، وهو قول أصحاب الرأي، قالوا: يقسّم الخمس على ثلاثة : اليتامى والمساكين وابن السبيل، وأسقطوا سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بموته، وسهم قرابته أيضاً (2).

3 ـ روى أبو يوسف، عن الكلبي عن أبي صالح، عن ابن عباس : أنّ الخمس الذي كان يقسّم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة أسهم: لله وللرسول سهم، ولذوي القربى سهم، ولليتامى سهم، وللمساكين سهم، ولابن السبيل سهم، ثم قسّم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي على ثلاثة أسهم : لليتامى والمساكين وابن السبيل(3).

4 ـ وقال أبو حيان في تفسير البحر المحيط : وذوو القربى معناه: قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والظاهر عموم قرباه، فقالت فرقة: قريش كلّها بأسرها ذوو قربى، وقال أبو حنيفة والشافعي: هم بنو هاشم وبنو المطلب استحقّوه بالنصرة والمظاهرة، دون بني عبد شمس وبني نوفل، وقال علي بن الحسين وعبد الله بن الحسن وابن عباس: هم بنو هاشم فقط، قال مجاهد: كان آل محمد لا تحلّ لهم الصدقة، فجعل له الخمس، قال ابن عباس: ولكن أبى ذلك علينا قومنا، وقالوا: قريش كلّها قربى، والظاهر بقاء هذا السهم لذوي القربى، وأنّه لغنيّهم


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل 2: 159 سورة الانفال: الاية 41 .
2ـ المغني 6 : 406 .
3ـ أحكام القرآن للجصاص 3 : 79 ، باب قسمة الخمس .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 34ــــــــــــــــــــ

وفقيرهم، وقال ابن عباس كان على ستّة: لله وللرسول سهمان وسهم لأقاربه حتّى قبض فأجرى أبو بكر الخمس على ثلاثة، ولذلك روي عن عمر ومن بعده من الخلفاء، وروي: أنّ أبا بكر منع بني هاشم الخمس، وقال إنّما لكم أن يعطى فقيركم ويزوّج أيمكم ويخدم من لا خادم له منكم، وإنّما الغنيّ منكم فهو بمنزلة ابن السبيل الغنيّ: لا يعطى من الصدقة شيئاً، ولا يتيم موسر(1).

القسم الثالث: الخمس بعد زمان النبيّ صلى الله عليه وآله:

مرّ الخمس بعد رحيل النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله بمراحل وظروف، قد انعكست عليه سلباً وإيجاباً، وهي كما يلي:


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ تفسير البحر المحيط 4 :493 سورة الانفال: الآية 41 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 35ــــــــــــــــــــ

الخمس في عهد أبي بكر:

إنّ أول من منع الخمس عن أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله هو أبو بكر لمّا تولّى الخلافة، بل إنّه جعل ذلك من أولوياته، وقصده من ذلك أن لا يظهر لأمير المؤمنين عليه السلام ـ بعد أن غصب منه الخلافة ـ أيّة رقة ولين منه. وقد نقل ابن أبي الحديد في هذا الشأن عن متكلم من متكلّمي الإمامية ـ بعد أن قال له محاوره ـ : وهل كانت فدك إلا نخلاً يسيراً وعقاراً ليس بذلك الخطير ! قوله في جوابه: ليس الامر كذلك، بل كانت جليلة جداً، وكان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل، وما قصد أبو بكر وعمر بمنع فاطمة عنها إلاّ ألاّ يتقوّى علي بحاصلها وغلّتها على المنازعة في الخلافة، ولهذا أتبعا ذلك بمنع فاطمة وعلي وسائر بني هاشم وبني المطلب حقهم في الخمس؛ فإنّ الفقير الذي لا مال له تضعف همّته ويتصاغر عند نفسه، ويكون مشغولاً بالاحتراف والاكتساب عن طلب الملك والرياسة(1).

فالخليفة ـ بعد أن تأول آية الخمس، فأسقط سهم النبيّ صلى الله عليه وآله وسهم ذي القربى بعد موته صلى الله عليه وآله، ومنع بني هاشم الخمس، وجعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين ومساكينهم وأبناء السبيل ـ جعل ذلك الحق في السلاح والكراع؛ لأنّ سياسته اتّجهت نحو إرسال الجيوش لإخضاع الفئات المعارضة لحكمه، والّتي امتنعت عن بيعته، وعن أداء الزكاة لغير الخليفة الشرعي، فكان لابد له من مجابهتهم، لئلاّ يتضعضع سلطانه، وتزول هيبة ملكه، وقد رأى: أنّ أفضل طريق لذلك ـ وبه يرمي غرضين بسهم واحد ـ هو أن يمنع أهل البيت عليهم السلام الخمس والفيء، بالاضافة إلى فدك؛ لغرض إضعافهم عن المطالبة بحقهم، وليتفرّق الناس عنهم، ويتركونهم؛ رغبةً في الدنيا، فلا يجد أهل البيت عليهم السلام ناصراً لهم عليه من جهة، ويجعل كلّ تلك الموارد المالية مادة لا تنضب لحروبه وتقوية سلطانه وجذب الناس إلى صفّه من جهة أخرى.

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ شرح نهج البلاغة:16: 237.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 36ــــــــــــــــــــ

وقد أرسلت فاطمة عليها السلام تسأله ميراثها من رسول اللّه صلى الله عليه وآله ، ممّا أفاء اللّه عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فأبى أبوبكر أن يدفع إلى فاطمة عليها السلام منها شيئاً، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته فلم تكلّمه حتّى توفّيت، وعاشت بعد النبيّ صلى الله عليه وآله ستّة أشهر، فلمّـا توفّيت دفنها زوجها علي ليلاً، ولم يؤذن بها أبابكر، وصلّى عليها، الحديث(1).

ولم تثمر محاولات الصدّيقة الطاهرة وأمير المؤمنين عليهما السلام شيئاً في ردع أبي بكر عمّا عزم عليه، فما قاما به عليهما السلام من: الإنكار وإقامة الحجج الواضحة في موقف بعد موقف وموطن بعد موطن لم يثن الخليفة عن رأيه.

وقد أثّر هذا المنع على آراء بعض الصحابة، وكأنّهم لم يقرءوا القرآن، أو لم يروا النبيّ صلى الله عليه وآله يأخذ الخمس. ثمّ إنّهم ـ بعد اختلافهم ـ أجمعوا على تقديم رأي الخليفة الذي كان إنكاراً للنّص القرآني وسيرة النبيّ صلى الله عليه وآله الذي لا ينطق عن الهوى فقد ذكر المؤلّفون: أنّ الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وآله قد اختلفوا، فقالت طائفة: سهم الرسول للخليفة بعده، وقالت طائفة: سهم ذوي القربى لقرابة الرسول، وقال آخرون: سهم ذوي القربى لقرابة الخليفة. فأجمعوا على أن جعلوا هذين السهمين في الكراع والسلاح(2).

الخمس في عهد عمر:

وفي زمان عمر تابع ما بدأه أبو بكر من سياسة إقصاء أهل البيت عليهم السلام عن حقّهم، حتّى بعد أن كثرت الفتوحات واتّسعت البلاد الّتي يحكمها المسلمون، ممّا يعني توافر حق الأسرة الهاشميّة من غنائم تلك الفتوح، حتّى


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ انظر صحيح مسلم 3 : 1380 الحديث 1759 .
2ـ الصحيح من سيرة النبي الأعظم 5 : 215 معبر الخمس بعد الرسول (ص) في عهد ابي بكر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 37ــــــــــــــــــــ

على رأي المخالفين لأهل البيت عليهم السلام . إلا أنّ عمر ومتابعيه لم تطب لهم نفس بإيصال الحق الى مستحقيه، واستكثروه عليهم، وتذرّعوا بحجج واهية، وأعذار بالية؛ رغبة منهم ـ كما قدّمنا ـ في إضعاف جانب أمير المؤمنين والأسرة الهاشميّة. فأراد عمر ـ ولغرض في نفسه ولعل منه تقليل الجبهة المعارضة له ـ أن يعطي بني هاشم شيئاً من الخمس، فأبوا أن يأخذوا إلاّ كلّ سهمهم؛ أخذاً بحقهم الذي شرّعه الله لهم، وأعطاهم إيّاه رسوله مدة حياته الشريفة، فأبوا عليهم ذلك، وحرموهم منه. فقد جاء في جواب ابن عباس لنجدة الحروري حين سأله عن سهم ذوي القربى: لمن هو؟ قوله: هو لنا أهل البيت، وقد كان عمر دعانا إلى أن ينكح منه أيمنا، ويخدم منه عائلنا، ويقضي منه عن غارمنا، فأبينا إلاّ أن يسلّمه لنا، وأبى ذلك، فتركناه عليه(1).

وروي مثل ذلك عن علي أيضاً، وأنّ عمر عرض عليهم البعض، وقال: إنّه لم يبلغ علمه: أنّه إذا كثر يكون كلّه لهم، فأبوا إلاّ الكل(2).

وجاء في رسالة الإمام الصادق عليه السلام في الغنائم ووجوب الخمس لأهله: وقد قال علي بن أبي طالب صلوات الله عليه: ما زلنا نقبض سهمنا بهذه الآية ـ التي أولها تعليم، وآخرها تحرّج ـ حتّى جاء خمس السوس وجندي سابور إلى عمر، وإنّا والمسلمون والعباس عنده .

فقال عمر لنا: إنّه قد تتابعت لكم من الخمس أموال، فقبضتموها حتّى لا حاجة بكم اليوم، وبالمسلمين حاجة وخلل، فأسلفونا حقكم من هذا المال حتّى يأتي الله بقضائه من أول شيء يأتي المسلمين. فكففت عنه؛ لأنّي لم آمن حين جعله سلفاً ـ لو ألححنا عليه فيه ـ أن يقول في خمسنا مثل قوله في أعظم منه ـ عنى ميراث نبينا صلى الله عليه وآله ـ حين ألححنا عليه.

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ السنن الكبرى 6 : 345 ، المصنف لابن ابي شيبة 7 : 699 ب 145 ، الحديث 3 ، سنن النسائي 129:7 الحديث 4140 مع اختلاف يسير.
2ـ الصحيح من سيرة النبي الأعظم (ص) 5 : 215ـ216، عن مصادر كثيرة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 38ــــــــــــــــــــ

فقال له العباس: لا تغتمز في الذي لنا يا عمر؛ فإنّ الله قد أثبته لنا بأثبت ممّا أثبت به المواريث بيننا، فقال عمر: وأنتم أحق من أرفق المسلمين وشفّعني. فقبضه عمر، ثم قال : لا والله، ما آتيهم ما يقبضنا حتّى لحق بالله، ثم ما قدرنا عليه بعده(1).

وكلام أمير المؤمنين عليه السلام واضح لا غبار عليه؛ حيث إنه قرّر: أنّه وبني هاشم كانوا يقبضون سهمهم من الخمس بآية الخمس الواضحة والصريحة في استحقاق قرابة النبيّ صلى الله عليه وآله له، وخلاف من خالفها برأيه معارضة صريحة لكتاب الله العزيز وسنّة نبيه القوليّة والعمليّة، وهذا مما ينبغي أن لا يرتاب فيه ذو مسكة؛ فإنّ الكتاب المجيد وسنة نبي الإسلام مقدّمان على فعل أيّ أحد، مهما كان مقامه.

ولذا نجد: أنّ بعض علماء العامّة يعترض على فعل أبي بكر وعمر؛ لما رأى: أنّ فعلهما يصادم ما جاء في الكتاب والسنّة. قال أبو قدامة ـ وهو بصدد ذكر قسمة الخمس ـ : وقد روي عن ابن عمر وابن عباس قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسّم الخمس على خمسة.

وما ذكره أبو العالية فشيء لا يدل عليه رأي، ولا يقتضيه قياس، ولا يصار إليه إلاّ بنصّ صحيح يجب التسليم له، ولا نعلم في ذلك أثراً صحيحاً سوى قوله، فلا يترك ظاهر النص وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله من أجل قول أبي العالية.

وما قاله أبو حنيفة فمخالف لظاهر الآية؛ فإنّ الله تعالى سمّى لرسوله وقرابته شيئاً وجعل لهما في الخمس حقاً، كما سمى للثلاثة الأصناف الباقية، فمن خالف ذلك فقد خالف نص الكتاب.

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ تحف العقول : 347 ، مستدرك الوسائل 7 : 305، الباب 5 من ابواب الانفال وما يختص بالامام الحديث 3 ، بحار الأنوار 93 : 204، باب الانفال ح 1 مع اختلاف يسير .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 39ــــــــــــــــــــ

وأما حمل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما على سهم ذي القربى في سبيل الله فقد ذكر لأحمد فسكت، وحرك رأسه، ولم يذهب إليه، ورأى: أن قول ابن عباس ومن وافقه أولى؛ لموافقته كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإنّ ابن عباس لمّا سئل عن سهم ذي القربى قال: إنّا كنا نزعم: أنّه لنا، فأبى ذلك علينا قومنا. ولعله أراد بقوله: أبى ذلك علينا قومنا: فعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما في حملهما عليه في سبيل الله ومن تبعهما على ذلك. ومتى اختلف الصحابة وكان قول بعضهم يوافق الكتاب والسنّة كان أولى، وقول ابن عبّاس موافق للكتاب والسنة(1).


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ المغني 6 : 407 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 40ــــــــــــــــــــ

الخمس في عهد عثمان:

ولم يكن الحال في زمان عثمان بأحسن من زمان سابقيه، إذ إنّه بمجرد نجاح خطّة الشورى المزعومة أصبح الجو مهيّئاً له ولبني عمومته لجعل مال الله دولة بين الأغنياء منهم، بالاضافة إلى كثير من المخالفات الصريحة للكتاب والسنّة، والّتي لم تكن حتّى في زمان سابقيه.

منها: أنّه آوى طريد رسول الله صلى الله عليه وآله الحكم بن أبي العاص، ولم يؤوه أبو بكر ولا عمر، وأعطاه مائة ألف.

ومنها: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله تصدّق بمهزور ـ موضع سوق المدينة ـ على المسلمين، فأقطعها عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان بن الحكم، وأقطع مروان فدك، وهي صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله ، ولم تزل فدك في يد مروان وبنيه إلى أن تولّى عمر بن عبد العزيز، فانتزعها من أهله، وردّها صدقة.

ومنها: أنّه أعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال، في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال.

ومنها: أنه أعطى خمس فتوح أفريقيا مرة لعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وفي الغزوة الثانية أعطاه لمروان بن الحكم.

ومنها: تولية أعداء الإسلام من أقربائه على البلاد، ومنهم: الوليد بن عقبة بن أبي معيط على الكوفة، وهو ممّن أخبر النبيّ صلى الله عليه وآله: أنّه من أهل النار، وعبد الله بن أبي سرح على مصر، ومعاوية بن أبي سفيان على الشام، وعبد الله بن عامر على البصرة، وصرف عن الكوفة الوليد بن عقبة، وولاّها سعيد بن العاص.

إلى غير ذلك.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 41ــــــــــــــــــــ

وقد سار على خطّة من سبقه في إقصاء البيت الهاشمي عن حقه في الخمس وغيره، حتّى نقم الناس عليه، ممّا أدّى إلى قتله، وكان من جملة ما نقم عليه في هذا الأمرشيئان:

أولهما: أنّ سابقيه وإن كانا قد أخذا الحق من مستحقيه، إلا أنّهما كانا يضعان تلك الأموال في النفقات العامّة الّتي تعود مصلحتها للمسلمين، ومنها: تقوية الجيوش، والبعوث الّتي كانا يبعثانها، وقد خصّصها عثمان بعدهما لأقربائه.

ثانيهما: أنّ سيرة من كان يعطيهم هذه العطايا الهائلة من مال لا يستحقونه كانت سيئة جداً، وكانوا معروفين بالانحراف، وعدم الاستقامة، بل كان بعضهم منبوذاً مطروداً من قبل الرسول صلى الله عليه وآله.

الخمس في زمان تولّي أمير المؤمنين عليه السلام للخلافة الظاهريّة:

وما أن قتل عثمان حتّى انثال الناس على بيعة أمير المؤمنين عليه السلام، فاشتغل صلوات الله عليه باصلاح بعض ما يمكن اصلاحه ممّا أفسده سابقوه. وأول ذلك ما نقله الكلبي : ثم أمر عليه السلام بكل سلاح وجد لعثمان في داره، ممّا تقوّى به على المسلمين فقبض، وأمر بقبض نجائب كانت في داره من إبل الصدقة، فقبضت، وأمر بقبض سيفه ودرعه، وأمر ألاّ يعرض لسلاح وجد له لم يقاتل به المسلمين، وبالكفّ عن جميع أمواله الّتي وجدت في داره وفي غير داره، وأمر أن ترتجع الأموال الّتي أجاز بها عثمان حيث أصيبت أو أصيب أصحابها .

فبلغ ذلك عمرو بن العاص، وكان بأيلة من أرض الشام، أتاها حيث وثب الناس على عثمان، فنزلها، فكتب إلى معاوية: ما كنت صانعاً فاصنع؛ إذ قشّرك ابن أبي طالب من كلّ مال تملكه، كما تقشّر عن العصا لحاها(1).


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 1 : 270. الخطبة 15 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 42ــــــــــــــــــــ

وقد استطاع صلوات الله عليه تغيير بعض الأمور المخالفة للشريعة، وترك بعضها الآخر كما هو؛ إذ لم يستطع تغييره؛ لتأصّل الفكر المخالف عند الناس، ومن ذلك قضيّة الخمس وسهم ذوي القربى

وعن محمد بن اسحاق قال: سألت أبا جعفر يعني الباقر كيف صنع علي (رض) في سهم ذي القربى قال: سلك به طريق أبي بكر و عمر (رض).

قال: قلت :وكيف، وأنتم تقولون ما تقولون؟

قال: أما والله ما كانوا يصدرون إلا عن رأيه.

ولكنه كره أن يتعلق عليه خلاف أبي بكر وعمر(1).

وكان أمير المؤمنين عليه السلام يصرّح: بأنّ سهم ذوي القربى حقّ لهم، إلاّ أنّه لم يعطه لهم للسبب المتقدم، كما وجد أسباب أخرى كما في سنن البيهقي منها: أنّ حسناً وحسيناً وابن عباس وعبد الله بن جعفر (رض) سألوا عليّاً (رض) نصيبهم من الخمس، فقال: هو لكم حق، ولكنّي محارب معاوية، فإن شئتم تركتم حقكم منه(2).

ثمّ إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يغيّر شيئاً ممّا فعله أبو بكر وعمر في الخمس؛ لأنّ ذلك كان يؤلّب الناس عليه، فإنّ مضاعفات عمل من كان قبله كانت متأصّلة في نفوسهم، لا يريدون عنها بدلاً، فلو غيّر شيئاً ولو يسيراً ممّا جرى عليه سابقوه لثاروا عليه، وادّعوا عليه خلاف أبي بكر وعمر، ولتزلزل حكمه.

كما أنّه إذا كان يريد حرب معاوية فإنّ هذا الأمر الأهمّ يستوجب تأجيل الأمر المهم إلى وقت لا يكون فيه العمل به ذا مضاعفات خطيرة، ولو كان ذلك لا يتمّ إلاّ في زمان الأئمّة عليهم السلام من بعده.


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ السنن الكبرى للبيهقي 6 : 343 ، كنز العمال 4 : 518 الحديث 11532 مع اختلاف يسير .
2ـ السنن الكبرى للبيهقي 6 : 343 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 43ــــــــــــــــــــ

وهذا نصّ يكشف شيئاً عن نفسيّة القوم آنذاك، ويرسم صورة واضحة عمّا كان يعانيه أمير المؤمنين عليه السلام وبقيّة البيت الهاشمي من جرّاء الالتزام بالحق، ولزوم القيام بحدود الله، والأداء لشرعه، ووضع الأمور في مواضعها، وتوفير الحقوق على أهلها، والمضيّ على منهاج النبيّ صلى الله عليه وآله، وإرشاد الضالّ إلى أنوار هداية الله عز وجلّ:

قال له قائل : يا أمير المؤمنين، أرأيت لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله ترك ولداً ذكراً قد بلغ الحلم، وآنس منه الرشد، أكانت العرب تسلم إليه أمرها؟ قال : « لا، بل كانت تقتله إن لم يفعل ما فعلت. إنّ العرب كرهت أمر محمد صلى الله عليه وسلم، وحسدته على ما آتاه الله من فضله، واستطالت أيّامه حتّى قذفت زوجته، ونفرت به ناقته، مع عظيم إحسانه إليها، وجسيم مننه عندها، وأجمعت مذ كان حيّاً على صرف الأمر عن أهل بيته بعد موته، ولولا أن قريشاً جعلت اسمه ذريعة إلى الرياسة، وسلّماً إلى العزّ والإمرة لما عبدت الله بعد موته يوماً واحداً، ولارتدّت في حافرتها، وعاد قارحها جذعاً، وبازلها بكراً.

ثم فتح الله عليها الفتوح، فأثرت بعد الفاقة، وتموّلت بعد الجهد والمخمصة، فحسن في عيونها من الإسلام ما كان سمجاً، وثبت في قلوب كثير منها من الدين ما كان مضطرباً، وقالت: لولا أنّه حق لما كان كذا، ثم نسبت تلك الفتوح إلى آراء ولاتها، وحسن تدبير الأمراء القائمين بها، فتأكّد عند الناس نباهة قوم وخمول آخرين، فكنّا نحن ممن خمل ذكره، وخبت ناره، وانقطع صوته وصيته، حتّى أكل الدهر علينا وشرب، ومضت السنون والأحقاب بما فيها، ومات كثير ممن يعرف، ونشأ كثير ممن لا يعرف.

وما عسى أن يكون الولد لو كان ! إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله لم يقربني بما تعلمونه من القرب للنسب واللحمة، بل للجهاد والنصيحة، أفتراه لو كان له ولد هل كان يفعل ما فعلت ! وكذاك لم يكن يقرب ما قربت، ثم لم يكن عند قريش والعرب سبباً للحظوة والمنزلة، بل للحرمان والجفوة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 44ــــــــــــــــــــ

اللهم إنّك تعلم: أنّي لم أرد الامرة، ولا علو الملك والرياسة، وإنّما أردت القيام بحدودك، والأداء لشرعك، ووضع الأمور في مواضعها، وتوفير الحقوق على أهلها، والمضيّ على منهاج نبيك، وإرشاد الضالّ إلى أنوار هدايتك(1).

ثمّ إنّ تلك الظروف الّتي عصفت بزمان أمير المؤمنين عليه السلام منذ وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى زمان تولّيه حكم الأمّة لم تمنعه من بيان الحق، ومحاولة إقامته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، ومن ذلك مسألة الخمس، فقد أثرت عنه أحاديث كثيرة بشأنه عند الخاصة والعامّة، ونحن نقتصر على بعضها:

أحاديث الخاصة عن أمير المؤمنين عليه السلام في الخمس:

1 ـ عن الحارث بن حصيرة الأزدي قال: وجد رجل ركازاً على عهد أمير المؤمنين عليه السلام، فأبتاعه أبي منه بثلاثمائة درهم ومائة شاة متبع، فلامته أمي، وقالت: أخذت هذه بثلاثمائة شاة أولادها مائة، وأنفسها مائة، وما في بطونها مائة. قال : فندم أبي، فانطلق؛ ليستقيله، فأبى عليه الرجل، فقال : خذ منّي عشر شياه، خذ منّي عشرين شاة، فأعياه، فأخذ أبي الركاز، وأخرج منه قيمة ألف شاة، فأتاه الآخر، فقال : خذ غنمك، واتني ما شئت، فأبى، فعالجه فأعياه، فقال : لأضرنّ بك، فاستعدى أمير المؤمنين عليه السلام على أبي، فلما قصّ أبي على أمير المؤمنين عليه السلام أمره قال لصاحب الركاز: أدّ خمس ما أخذت؛ فإنّ الخمس عليك؛ فإنّك أنت الذي وجدت الركاز، وليس على الآخر شيء؛ لأنّه إنّما أخذ ثمن غنمه(2).


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد20: 454/414 .
2ـ وسائل الشيعة 9: 497، الباب 6 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 45ــــــــــــــــــــ

2 ـ عن الحسن بن زياد، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: إنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي أصبت مالاً، لا أعرف حلاله من حرامه. فقال له: أخرج الخمس من ذلك المال؛ فإنّ الله عز وجل قد رضي من المال بالخمس، واجتنب ما كان صاحبه يعلم(1).

3ـ محمد بن علي بن الحسين قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنينعليه السلام، فقال: يا أمير المؤمنين، أصبت مالاً أغمضت فيه، أفلي توبة ؟ قال : ائتني بخمسه، فأتاه بخمسه، فقال: هو لك، إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه(2).

4ـ عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال : إنّي كسبت مالاً أغمضت في مطالبه حلالاً وحراماً، وقد أردت التوبة، ولا أدري الحلال منه والحرام، وقد اختلط علي. فقال أمير المؤمنين عليه السلام : تصدّق بخمس مالك؛ فإنّ الله رضي من الأشياء بالخمس، وسائر المال لك حلال(3).

5ـ عن سليم بن قيس الهلالي قال : خطب أمير المؤمنين عليه السلام ، وذكر خطبة طويلة يقول فيها: نحن والله عنى بذي القربى، الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله فقال: ﴿فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ فينا خاصة ـ إلى أن قال : ـ ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيباً؛ أكرم الله رسوله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس، فكذبوا الله وكذبوا رسوله، وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا، ومنعونا فرضاً فرضه الله لنا ... الحديث(4).

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة 9: 505، الباب10 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث1.
2ـ وسائل الشيعة 9 : 506 ، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3 .
3ـ وسائل الشيعة 9 : 506 ، الباب 10 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 .
4ـ وسائل الشيعة 9: 512 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث7.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 46ــــــــــــــــــــ

6 ـ تفسير النعماني بإسناده، عن علي عليه السلام قال : الخمس يخرج من أربعة وجوه : من الغنائم التي يصيبها المسلمون من المشركين، ومن المعادن، ومن الكنوز، ومن الغوص. ويجري هذا الخمس على ستّة أجزاء، فيأخذ الإمام منها سهم الله وسهم الرسول وسهم ذي القربى، ثم يقسّم الثلاثة السهام الباقية بين يتامى آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم(1).

7 ـ عن الفضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: من وجد برد حبّنا في كبده فليحمد الله على أول النعم . قال : قلت : جعلت فداك، ما أول النعم ؟ قال : طيب الولادة . ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : قال أمير المؤمنين عليه السلام لفاطمة عليها السلام : أحلّي نصيبك من الفيء لآباء شيعتنا؛ ليطيبوا . ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : إنّا أحللنا أمّهات شيعتنا لآبائهم؛ ليطيبوا(2).

8 ـ عن أبي جعفر عليه السلام : أنّه قال : إنّ أمير المؤمنين عليه السلام حلّلهم من الخمس ـ يعني : الشيعة ـ ؛ ليطيب مولدهم(3).

9 ـ الحسن بن علي العسكري عليه السلام في تفسيره عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام : أنّه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله : قد علمت يا رسول الله: أنّه سيكون بعدك ملك عضوض وجبر، فيستولى على خمسي (من السبي) والغنائم، ويبيعونه فلا يحلّ لمشتريه؛ لأنّ نصيبي فيه، فقد وهبت نصيبي منه لكل من ملك شيئاً من ذلك من شيعتي؛ لتحلّ لهم منافعهم من مأكل ومشرب، ولتطيب مواليدهم، ولا يكون أولادهم أولاد حرام. قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ما تصدّق أحد أفضل من صدقتك، وقد تبعت رسول الله في فعلك: أحلّ الشيعة


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة 9: 516، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث12.
2ـ وسائل الشيعة 9: 547، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام عليه السلام، الحديث 10.
3ـ وسائل الشيعة 9 : 550 ، الباب 4 من ابواب الانفال وما يختص بالامام، الحديث 15 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 47ــــــــــــــــــــ

كلّ ما كان فيه من غنيمة وبيع من نصيبه على واحد من شيعتي، ولا أحلّها أنا ولا أنت لغيرهم(1).

أحاديث العامّة عن أمير المؤمنين عليه السلام في الخمس:

منها: ما عن الشعبي: أنّ عليّاً أتى برجل وجد في خربة ألفاً وخمس مائة درهم بالسواد، فقال علي : لأقضينّ فيها قضاء بيّناً: إن كنت وجدتها في قرية خربة تحمل خراجها قرية عامرة فهي لهم، وإن كانت لا تحمل فلك أربعة أخماس، ولنا خمسه، وسأطيبه لك جميعاً(2).

ويظهر من بعض الروايات: أنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يتمكّن من إجراء الخمس كما ينبغي وكما أراده الله، بعد أن ترسّخ في النفوس ما سنّه السابقون عليه:

فعن سليم بن قيس الهلالي قال : خطب أمير المؤمنين عليه السلام فحمد الله وأثنى عليه، ثم صلى على النبيّ صلى الله عليه وآله، ثم قال : ألا إنّ أخوف ما أخاف عليكم خلتان : اتّباع الهوى، وطول الامل. أمّا اتّباع الهوى فيصدّ عن الحق، وأما طول الامل فينسي الآخرة. ألا إنّ الدنيا قد ترحّلت مدبرة، وإنّ الآخرة قد ترحّلت مقبلة، ولكل واحدة بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا؛ فإنّ اليوم عمل ولا حساب، وإنّ غداً حساب ولا عمل. وإنما بدء وقوع الفتن من أهواء تتّبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها حكم الله، يتولّى فيها رجال رجالاً. ألا إنّ الحق لو خلص لم يكن اختلاف، ولو أنّ الباطل خلص لم يخف على ذي حجى. لكنّه يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث، فيمزجان، فيجللان معاً، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى.

إنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: كيف أنتم إذا لبستم فتنة، يربو فيها الصغير، ويهرم فيها الكبير، يجري


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة 9: 552ـ553، الباب 4 من أبواب الانفال وما يختص بالإمام، الحديث 20.
2ـ كنز العمال 6 : 553، الحديث 16914.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 48ــــــــــــــــــــ

الناس عليها، ويتّخذونها سنّة، فإذا غيّر منها شيء قيل : قد غيّرت السنّة، وقد أتى الناس منكراً. ثم تشتدّ البليّة، وتسبى الذريّة، وتدقّهم الفتنة، كما تدقّ النار الحطب، وكما تدق الرحا بثفالها (1)، ويتفقّهون لغير الله، ويتعلّمون لغير العمل، ويطلبون الدنيا بأعمال الآخرة .

ثم أقبل بوجهه وحوله ناس من أهل بيته وخاصته وشيعته، فقال : قد عملت الولاة قبلي أعمالاً، خالفوا فيها رسول الله صلى الله عليه وآله متعمّدين لخلافه، ناقضين لعهده، مغيّرين لسنّته. ولو حملت الناس على تركها وحولتها إلى مواضعها وإلى ما كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله لتفرق عني جندي حتّى أبقى وحدي، أو قليل من شيعتي الذين عرفوا فضلي وفرض إمامتي من كتاب الله عز وجل وسنّة رسول الله صلى الله عليه وآله . أرأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام (2)، فرددته إلى الموضع الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، ورددت فدك إلى ورثة فاطمة عليها السلام ، ورددت صاع رسول صلى الله عليه وآله كما كان، وأمضيت قطائع أقطعها رسول الله صلى الله عليه وآله لأقوام لم تمض لهم ولم تنفذ، ورددت دار جعفر إلى ورثته، وهدمتها من المسجد(3)، ورددت قضايا من الجور قضي بها (4)، ونزعت نساء تحت رجال بغير حق، فرددتهن إلى أزواجهن (5)،


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ الثفال ـ بالكسر ـ : جلدة تبسط تحت رحا اليد ليقع عليها الدقيق ، ويسمى الحجر الأسفل: ثفالاً بها، والمعنى انها تدقهم دق الرحا للحب إذا كانت مثفلة ولا تثفل الا عند الطحن .
2ـ إشارة إلى ما فعله عمر من تغيير المقام عن الموضع الذي وضعه فيه رسول اللهصلى الله عليه وآله إلى موضع كان فيه في الجاهلية رواه الخاصة والعامة . راجع كتاب النص والاجتهاد للسيد شرف الدين العاملي ( قدس سرّه).
3ـ كأنهم غصبوها وأدخلوها في المسجد. ( الوافي 26: 60 ) .
4ـ كقضاء عمر بالعول والتعصيب في الإرث وكقضائه بقطع السارق من معصم الكف ومفصل ساق الرجل خلافاً لما أمر به النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من ترك الكف والعقب وانفاذه في الطلاق الثلاث المرسلة ومنعه من بيع أمهات الأولاد وان مات الولد وقال: هذا رأي رأيته فأمضاه على الناس إلى غير ذلك من قضاياه وقضايا الآخرين. ( الوافي 26: 60). راجع على سبيل المثال :الغدير للعلامة الأميني، والنص والاجتهاد للسيد شرف الدين .
5ـ كمن طلقت بغير شهود وعلى غير طهر كما أبدعوه ونفذوه وغير ذلك. ( الوافي 26: 60 ).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 49ــــــــــــــــــــ

واستقبلت بهن الحكم في الفروج والأحكام، وسبيت ذراري بني تغلب (1)، ورددت ما قسم من أرض خيبر، ومحوت دواوين العطايا (2)، وأعطيت كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله يعطي بالسويّة، ولم أجعلها دولة بين الأغنياء(3)، وألقيت المساحة (4)، وسوّيت بين المناكح (5)، وأنفذت خمس الرسول كما أنزل الله عز وجل وفرضه (6)،


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ لأن عمر رفع عنهم الجزية فهم ليسوا باهل ذمة فيحل سبي ذراريهم كما روي عن الرضا عليه السلام أنه قال : ان بني تغلب من نصارى العرب انفوا واستنكفوا من قبول الجزية وسألوا عمر ان يعفيهم عن الجزية ويؤدوا الزكاة مضاعفاً فخشي أن يلحقوا بالروم فصالحهم على أن صرف ذلك عن رؤوسهم وضاعف عليهم الصدقة فرضوا بذلك وقال محيي السنة (البغوي ) روي أن عمر بن الخطاب رام نصارى العرب على الجزية فقالوا : نحن عرب لا نؤدي ما يؤدي العجم ولكن خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض يعنون الصدقة فقال عمر : هذا فرض الله على المسلمين قالوا : فزد ما شئت بهذا الاسم لا باسم الجزية فراضاهم على أن ضعف عليهم الصدقة. (مرآة العقول 25: 134).
2ـ أشار بذلك إلى ما ابتدعه عمر في عهده من وضعه الخراج على أرباب الزراعات والصناعات والتجارات لأهل العلم وأصحاب الولايات والرئاسات والجند وجعل ذلك عليهم بمنزلة الزكاة المفروضة ودوّن دواوين وأثبت فيها أسماء هؤلاء وأسماء هؤلاء وأثبت لكل رجل من الأصناف الأربعة ما يعطى من الخراج الذي وضعه على الأصناف الثلاثة وفضل في الاعطاء بعضهم على بعض ووضع الدواوين على يد شخص سماه صاحب الديوان وأثبت له أجرة من ذلك الخراج وعلى هذه البدعة جرت سلاطين الجور وحكامهم إلى الآن ولم يكن شيء من ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله ولا على عهد أبي بكر وإنما الخراج للامام فيما يختص به من الأراضي خاصة يصنع به ما يشاء. ( الوافي 26: 60ـ61 ).
3ـ أي لا اجعله لقوم دون قوم حتى يتداولوه بينهم ويحرموا الفقراء .
4ـ إشارة إلى ما عده الخاصة والعامة من بدع عمر أنه قال : ينبغي مكان هذا العشر ونصف العشر دراهم نأخذها من أرباب الاملاك فبعث إلى البلدان من مسح على أهلها فألزمهم الخراج فأخذ من العراق يوما يليها ما كان اخذه منهم ملوك الفرس على كل جريب درهما واحدا وقفيزا من أصناف الحبوب واخذ من مصر ونواحيها دينارا وإردبا عن مساحة جريب كما كان يأخذ منهم ملوك الإسكندرية، وقد روى محيي السنة وغيره عن علمائهم عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : " منعت العراق درهمها وقفيزها ومنعت الشام مدها ودينارها ومنعت مصر إردبها ودينارها " والإردب لأهل مصر أربعة وستون منا وفسره أكثرهم بأنه قد محى ذلك شريعة الاسلام وكان أول بلد مسحه عمر بلد الكوفة وتفصيل الكلام في ذكر هذه البدع موكول إلى الكتب المبسوطة التي دونها أصحابنا لذلك كالشافي للسيد المرتضى (مرآة العقول:25: 134).
5ـ بأن يزوج الشريف والوضيع كما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله وزوج بنت عمه مقداداً (مرآة العقول:25: 135).
6ـ إشارة إلى منع عمر أهل البيت خمسهم كما يأتي بيانه في آخر هذه الخطبة (الوافي 26 :61).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 50ــــــــــــــــــــ

ورددت مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله إلى ما كان عليه (1)، وسددت ما فتح فيه من الأبواب، وفتحت ما سدّ منه(2)، وحرّمت المسح على الخفّين(3)، وحددت على النبيذ (4)، وأمرت بإحلال المتعتين (%)، وأمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات (6)، وألزمت الناس الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم (7)، وأخرجت من أدخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله في مسجده ممن كان رسول الله صلى الله عليه وآله أخرجه (8)، وأدخلت من اُخرج بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ممّن كان رسول الله صلى الله عليه وآله أدخله (9)، وحملت الناس على حكم القرآن، وعلى الطلاق


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ يعني أخرجت منه ما زادوه فيه ( الوافي 26: 61 ).
2ـ إشارة إلى ما نزل به جبرئيلعليه السلام من الله سبحانه من أمره النبي صلى الله عليه وآله بسد الأبواب من مسجده الا باب علي وكأنهم قد عكسوا الامر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ( الوافي 26: 62 ).
3ـ إشارة إلى ما ابتدعه عمر من اجازته المسح على الخفين في الوضوء ثلاثا للمسافر ويوما وليلة للمقيم وقد روت عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال : " أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره " ( الوافي 26: 62 ).
4ـ وذلك انهم استحلوه ( الوافي 26: 62 ).
5ـ يعني متعة النساء ومتعة الحج ، قال عمر : " متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وانا أحرمهما وأعاقب عليهما : متعة النساء ومتعة الحج " ( الوافي 26: 62 ).
6ـ وذلك أن النبيصلى الله عليه وآله كان يكبر على الجنائز خمساً ، لكن الخليفة الثاني راقه أن يكون التكبير في الصلاة عليها أربعاً، ككثير من الأحكام التي غيّرها لما يروقه ويعجبه غير آبهٍ لخلاف الله أو الرسولصلى الله عليه وآله راجع كتاب النص والاجتهاد في مواضع متعددة.
7ـ وذلك انهم يتخافتون بها أو يسقطونها في الصلاة ( الوافي:26: 62 ).
8ـ لعل المراد به ابوبكر وعمر حيث دفنا في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله والمراد باخراج الرسول إياهما سد بابهما عن المسجد (الوافي 26: 62 ).
9ـ يحتمل أن يكون المراد إدخال نفسه عليه السلام، ويحتمل أن يكون المراد ادخال جسد فاطمة عليها السلام ودفنها في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم) عند النبي صلى الله عليه وآله، ويحتمل أن يكون المراد إدخال من كان ملازماً لمسجد الرسول صلى الله عليه وآله في حياته كعمار وأضرابه (مرآة العقول 25: 135ـ136 بتصرف).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 51ــــــــــــــــــــ

على السنّة (1)، وأخذت الصدقات على أصنافها(2) وحدودها (3)، ورددت الوضوء والغسل والصلاة إلى مواقيتها وشرائعها ومواضعها (4)، ورددت أهل نجران إلى مواضعهم (5)، ورددت سبايا فارس وسائر الأمم إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله (6)، إذاً لتفرّقوا عنّي. والله لقد أمرت الناس أن لا يجتمعوا في شهر رمضان إلاّ في فريضة، وأعلمتهم: أنّ اجتماعهم في النوافل بدعة، فتنادى بعض أهل عسكري ممّن يقاتل معي : يا أهل الإسلام، غيّرت سنة عمر، ينهانا عن الصلاة في شهر رمضان تطوّعاً. ولقد خفت أن يثوروا في ناحية جانب عسكري، ما لقيت من هذه الأمة من الفرقة، وطاعة أئمة الضلالة والدعاة إلى النار .


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ وذلك انهم خالفوا القرآن في كثير من الأحكام منها وجوب الاشهاد على الطلاق وعدم وجوبه على النكاح فإنهم عكسوا الامر في ذلك وأبطلوا عدة من أحكام الطلاق وأبدعوا فيه بآرائهم ( الوافي 26: 62 ).
2ـ اي اخذتها من أجناسها التسعة وهي الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب والإبل والغنم والبقر فإنهم أوجبوها في غير ذلك وتفصيل الكلام موجود في كتب القوم .
3ـ أي نصبها، فإنهم خالفوا فيها وفي سائر أحكامها( الوافي 26: 62 ).
4ـ ذلك انهم خالفوا في كثير منها كابداعهم في الوضوء مسح الاذنين وغسل الرجلين والمسح على العمامة والخفين وانتقاضه بملامسة النساء ومس الذكر وأكل ما مسته النار وغير ذلك مما لا ينقضه وكابداعهم الوضوء مع غسل الجنابة واسقاط الغسل في التقاء الختانين من غير انزال واسقاطهم من الاذان " حي على خير العمل " وزيادتهم فيه " الصلاة خير من النوم " وتقديمهم التسليم على التشهد الأول في الصلاة مع أن الفرض من وضعه التحليل منها وابداعهم وضع اليمين على الشمال فيها وحملهم الناس على الجماعة في النافلة وعلى صلاة الضحى وغير ذلك ( الوافي 26: 62ـ63 ).
5ـ نجران ـ بالفتح ثم السكون وآخره نون ـ وهو في عدة مواضع : منها نجران من مخاليف اليمن من ناحية مكة وبها كان خبر الأخدود واليها تنسب كعبة نجران وكانت لربيعة بها أساقفة مقيمون منهم السيد والعاقب اللذين جاءا إلى النبي عليه السلام في أصحابهما ودعاهم إلى المباهلة وبقوا بها حتى أجلاهم عمر،وفي كيفية أجلاء عمر إياهم وسببه راجع فتوح البلدان للبلاذري 1: 78ـ79.
6ـ فيه دلالة على أن تلك السبايا لم تقسم على وجه مشروع بل على أنها من حقهعليه السلام لدلالة الأخبار على أنها أخذه السلطان الجائر من الكفار بالحرب بغير إذن الإمام فهو له عليه السلام ( شرح أصول الكافي 11: 400).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 52ــــــــــــــــــــ

وأعطيت (1) من ذلك سهم ذي القربى الذي قال الله عز وجل : ﴿إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ (2)، فنحن والله عنى بذي القربى الذي قرننا الله بنفسه وبرسوله صلى الله عليه وآله (3)، فقال تعالى : ﴿فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ فينا خاصة ﴿كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ ـ في ظلم آل محمدـ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ (4) لمن ظلمهم؛ رحمة منه لنا، وغنى أغنانا الله به، ووصّى به نبيه صلى الله عليه وآله، ولم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيباً؛ أكرم الله رسوله صلى الله عليه وآله وأكرمنا أهل البيت أن يطعمنا من أوساخ الناس، فكذبوا الله، وكذبوا رسوله، وجحدوا كتاب الله الناطق بحقنا، ومنعونا فرضاً فرضه الله لنا. ما لقي أهل بيت نبي من أمته ما لقينا بعد نبينا صلى الله عليه وآله، والله المستعان على من ظلمنا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم(5).

وهذا تصريح منه عليه السلام بوقوع التحريف في كلّ هذه الأحكام الّتي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وفي هذا النص دلالة على: عظم ما كان يعانيه أمير المؤمنين عليه السلام من الأمّة المفتونة بعد نبيها صلى الله عليه وآله.

وقال محمد بن إسحاق : سألت محمد بن علي فقلت : ما فعل علي رضي الله عنه بسهم ذوي القربى حين ولي ؟ فقال : سلك به سبيل أبي بكر وعمر، وكره أن يدعى عليه خلافهما .

قال أبو بكر : لو لم يكن هذا رأيه لما قضى به؛ لأنّه قد خالفهما في أشياء مثل: الجدّ والتسوية في العطايا وأشياء أخر، فثبت: أنّ رأيه ورأيهما كان سواء في أنّ سهم ذوي القربى إنّما يستحقه الفقراء منهم .


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ رجوع إلى الكلام السابق ولعل التأخير من الرواة (مرآة العقول 25: 136).
2ـ سورة الأنفال : الآية41 .
3ـ لأن سهمهم دائم قائم لهم إلى يوم القيامة كما كان لله ولرسوله، وأما اليتيم إذا انقطع يتمه فليس له سهم وكذلك أخويه
.
4ـ سورة الحشر :الآية 7 .
5ـ الكافي 8 : 58 ، الحديث 21 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 53ــــــــــــــــــــ

ولمّا أجمع الخلفاء الأربعة عليه ثبتت حجّته بإجماعهم؛ لقوله (صلى الله عليه وسلم) : عليكم بسنّتي، وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي.

وفي حديث يزيد بن هرمز، عن ابن عباس، فيما كتب به إلى نجدة الحروري حين سأله عن سهم ذي القربى، فقال : كنّا نرى: أنّه لنا، فدعانا عمر إلى أن نزوّج منه أيمنا، ونقضي منه عن مغرمنا، فأبينا إلاّ أن يسلّمه لنا، وأبى ذلك علينا قومنا.

وفي بعض الألفاظ : فأبى ذلك علينا بنو عمّنا.

فأخبر: أنّ قومه ـ وهم أصحاب النبيّ (صلى الله عليه وسلم) ـ رأوه لفقرائهم دون أغنيائهم. وقول ابن عباس : كنّا نرى: أنّه لنا إخبار عن أنّ قوله من طريق الرأي، ولا حظّ للرأي مع السنّة، واتّفاق جلّ الصحابة من الخلفاء الأربعة (1).

أقول: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام لم يغيّر شيئاً ممّا فعله أبو بكر وعمر في الخمس؛ لأنّ ذلك يؤلّب الناس عليه، ويدعون عليه خلاف أبي بكر وعمر.

وقوله: قال أبو بكر : لو لم يكن هذا رأيه لما قضى به؛ لأنّه قد خالفهما في أشياء مثل: الجدّ والتسوية في العطايا وأشياء أخر، فثبت: أنّ رأيه ورأيهما كان سواء في أنّ سهم ذوي القربى إنما يستحقه الفقراء منهم مغالطة واضحة؛ لأنّ الكلام في منع بني هاشم حقهم من الخمس الذي ثبت لهم في زمان النبيّ صلى الله عليه وآله، والذين تولّوا الحكم قبل أمير المؤمنين أجمعوا على منع بني هاشم منه قاطبة، ولم يعطوه للمستحقين من فقراء بني هاشم،وإجماعهم على رأي لا يجعله صواباً، ولا سيّما مع مخالفته لصريح القرآن.

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ أحكام القرآن للجصاص 3 : 63 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 54ــــــــــــــــــــ

وليس كلّ أنواع الخمس تكون للفقير منهم، بل للإمام عليه السلام ما لرسول الله صلى الله عليه وآله من: صفو الغنائم، والأنفال، وما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، وكل هذا حرموا منه.

نعم، إنّ أمير المؤمنين عليه السلام قد غيّر بعض الأمور المبتدعة الّتي استطاع تغييرها، ولكن ما استطاع تغييره غيض من فيض، والخطبة السابقة خير شاهد ودليل على ما قلناه.

ثم إنّ ما نقله عن ابن عباس ونسبته إلى الرأي في غير محله؛ فإنّ ابن عباس ـ وهو حبر الأمّة وتلميذ أمير المؤمنين العالم بالقرآن ـ يعلن: أنّ هذا الحق ثابت لذوي القربى بالقرآن الكريم، وبفعل النبيّ صلى الله عليه وآله، وما رآه الصحابة خلافاً للقرآن ولفعل النبيّ صلى الله عليه وآله لا قيمة له؛ لأنّه رأي رأوه في قبال النص القرآني، والتفسير النبوي.

ثم يقال له: أين السنّة الّتي ادّعيت: أنّ ابن عباس رأى خلافها؟ إن كان المقصود السنّة الّتي ثبتت حجّيتها بالحديث الذي استشهدت به فهذا الحديث من الضعف بمكان، بل هو موضوع لمآرب لا تخفى، وليس هنا محلّ تفصيل ذلك، فليطلب من محلّه.

الخمس في عهد الإمامين الحسن المجتبى والحسين الشهيد عليهما السلام:

استغل معاوية ـ بعد قضيّة التحكيم ـ حالة التفكّك والوهن الّتي نابت جيش الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في العراق، وأخذ يتطلّع لتوسيع رقعة إمارته، بادخال الولايات الخاضعة لسيطرة حكومة أمير المؤمنين عليه السلام، فبدأ بارسال الجيوش اليها؛ للإغارة عليها.

وكانت ولاية مصر من أهمّ ما كان يطمح إليه معاوية؛ لكثرة خراجها، فأرسل إليها عمرو بن العاص بجيش كبير، وتمكّن من احتلالها، وقتل واليها محمد بن أبي بكر، والتمثيل به.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 55ــــــــــــــــــــ

فيما ظلّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يحاول جاهداً وبمختلف الأساليب أن يجهّز جيشاً يخمد به تمرّد أهل الشام، إلا أنّ أهل العراق قد بدا منهم الضعف والتقاعس عن نصرته، وبقي الوضع على حاله إلى أن اختار الله سبحانه أمير المؤمنين عليه السلام إلى جواره، فمضى شهيداً مظلوماً، قد اشبهت محنته محن الأنبياء؛ حيث إنّه دعاهم ليلاً ونهاراً لنصرته، فما زادهم ذلك إلاّ فراراً.

وقد عهد (صلوات الله عليه) قبل استشهاده بالخلافة لابنه الحسن المجتبى عليه السلام، وبايعه الناس على ذلك. وعند وصول خبر استشهاد الإمام إلى الشام تحرّك معاوية بجيش كبير ـ قوامه ستّون ألفا ـ نحو العراق؛ ليضمه إلى ملكه، ويجبر الإمام الحسن عليه السلام على الاستسلام.

ونظراً لانهيار معنويّات جيش الإمام الحسن عليه السلام والاضطرابات الّتي سادت البصرة والكوفة، بالإضافة إلى استعداد الروم لحرب المسلمين بجيش عظيم، فإنّه صلوات الله عليه لم يجد بدّاً من المصالحة والمسالمة وحقن الدماء.

وكانت أهم بنود الصلح ما يلي: تسليم الخلافة على بلاد المسلمين كلّها إلى معاوية، على أن يعمل بالكتاب والسنّة النبويّة، وأن يكون الأمر بعده إلى الحسن عليه السلام، وإن توفي قبل ذلك يكون الأمر للحسين عليه السلام. ويتعهّد معاوية كذلك بوقف الشتائم ضد الإمام علي عليه السلام على المنابر وغيرها، وعدم التعرّض للموالين لأهل البيت عليهم السلام بالملاحقة والأذى، وأن يبقى ما في بيت مال الكوفة تحت تصرف الحسن عليه السلام(1).

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ أزمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة: 123.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 56ــــــــــــــــــــ

وبهذا بدأ عصر مظلم جديد على الأمة حرمت فيه من أبسط حقوقها، فمعاوية ـ مضافاً إلى عدم التزامه ببنود الصلح كلّها ـ قتل سيّد شباب أهل الجنة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، بدسّ السمّ إليه على يد زوجته جعدة بنت الأشعث، وتتبّع أثر شيعته تحت كلّ حجر ومدر، فقتلهم وشتّتهم وأخافهم وحرمهم من العطاء.

وقد سعى معاوية وبقيّة بني أميّة في قطع الشجرة، الّتي أصلها ثابت وفرعها في السماء، وهم أهل البيت عليهم السلام ؛ وذلك لتبقى الشجرة الملعونة في القرآن، فحرمهم من جميع حقوقهم، ومنها الخمس، فهو ومن سبقه من الخلفاء الثلاثة سواءٌ في المنع، وهو إنّما يسير بسيرتهم في ذلك ويستنّ بسنّتهم، إلا أنّه فاق عليهم في تصرّفه فيه كيف شاء.

فقد روى الحاكم في المستدرك عن الحسن قال: بعث زياد الحكم بن عمرو الغفاري على خراسان، فأصابوا غنائم كثيرة، فكتب إليه زياد: أمّا بعد، فإنّ أمير المؤمنين كتب: أن يصطفى له البيضاء والصفراء، ولا تقسم بين المسلمين ذهباً ولا فضة. فكتب إليه الحكم: أمّا بعد، فإنّك كتبت تذكر كتاب أمير المؤمنين، وإنّي وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين، وإنّي أقسم بالله لو كانت السماوات والأرض رتقاً على عبد فاتّقى الله لجعل له من بينهم مخرجاً، والسلام.

أمر الحكم منادياً فنادى: أن اغدوا على فيئكم، فقسمه بينهم، وإنّ معاوية لما فعل الحكم في قسمة الفيء ما فعل وجّه إليه من قيّده وحبسه، فمات في قيوده، ودفن فيها، وقال: إنّي مخاصم(1).

واستمرّ حرمان بني هاشم من الخمس من زمن معاوية ـ الذي صار يصطفي لنفسه الصفراء والبيضاء، ولا يقسم بين المسلمين منه ذهباً ولا فضة ـ إلى زمان ابنه يزيد، الذي لم يختلف عن أبيه في سياسة الإقصاء لبني هاشم، حتّى


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ المستدرك على الصحيحين 3 : 442 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 57ــــــــــــــــــــ

جاء بأكبر الفظائع: بقتل سيد شباب أهل الجنّة لمّا قام لطلب الاصلاح في أمّة جده، ونتج عن قيامه فضح بني أميّة، ولا يخفى ضلالهم وكفرهم على أحد أصلاً.

زمان الإمام علي بن الحسين السجّاد عليه السلام:

وقد عاصر الإمام علي بن الحسين عليه السلام عدة من حكّام بني أميّة، أولهم يزيد بن معاوية الذي لم تطل أيّامه، وبعد هلاكه قام ابنه معاوية بن يزيد الذي عزل نفسه، ممّا أدّى إلى تزلزل الحكومة الأمويّة، فقام مروان بن الحكم طريد رسول الله ورتّب اُمور الدولة، وبعده جاء ابنه عبد الملك بن مروان الذي عرف بالتشدّد على بني هاشم، وولّى على الناس المعتدي الغشوم الحجّاج بن يوسف الثقفي، الذي سوّد صحائف التاريخ بظلمه لأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم، وحرمانهم من جميع حقوقهم. ولذا لم يتمكن الإمامعليه السلام من بيان الحق في كثير من الأحكام الشرعيّة، مع أنّ حكّام بني أميّة نصبوا الفقهاء السبعة في المدينة المنوّرة؛ ليصرفوا وجوه الناس عن أهل البيت وعلمهم وفقههم، فلم تتح للإمام عليه السلام الفرصة لنشر علومه، وكان (صلوات الله عليه) مرتدياً في أغلب مدّة إمامته رداء التقيّة.

وقد استمرّ منعهم لحق آل الله حتّى زمان عمر بن عبد العزيز. فعن علي بن عبد الله بن عباس، وأبي جعفر محمد بن علي عليه السلام، قالا: ما قسم علينا خمس منذ زمن معاوية إلى اليوم(1).

ولما أمر عمر بن عبد العزيز ـ ولأغراض سياسيّة بحتة ـ بدفع شيء من الخمس إلى بني هاشم، اجتمع نفر منهم، وكتبوا إليه يشكرونه؛ لصلته رحمه، وفيه: إنّهم لم يزالوا مجفوّين منذ كان معاوية(2).

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ الطبقات الكبرى 5 : 391 .
2ـ الطبقات الكبرى 5 : 391 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 58ــــــــــــــــــــ

إلاّ أنّ هذه المحاولة من عمر بن عبد العزيز لم تطل أيّامها، ومن ثَمَّ عاد الوضع كما كان.

ومن هنا انتشرت الأحاديث عن النبيّ صلى الله عليه وآله والأئمّة والزهراء عليهم السلام حول تحليل الخمس للشيعة؛ لولا وجوبه لما كان لتحليله معنى.

وإنما حلّلوه للظروف القاسية الّتي كانت تمرّ على الشيعة، فأباحوا الخمس؛ لتزكو أموالهم؛ وتطهر أنسابهم.

ولذا حمل الفقهاء (قدّس الله أسرارهم) نصوص إباحة الخمس لشيعتهم في تلك الأحاديث على التحليل المؤقّت؛ لأنّ أمر الخمس بأيديهم، فلهم أن يتنازلوا عنه بطيب أنفسهم، وبسماحة من ذواتهم الشريفة.

من أحاديث الإمام السجّاد عليه السلام بشأن الخمس:

1ـ تفسير العيّاشي : عن المنهال بن عمرو، عن علي بن الحسينعليهما السلام ، قال: قال ـ أي: في تفسير ﴿وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ ـ : ليتامانا ومساكيننا وأبناء سبيلنا(1).

2 ـ تفسير فرات بن إبراهيم : جعفر بن محمد بن هشام معنعناً، عن ديلم بن عمرو، قال: إنا لقيام بالشام، إذ جيء بسبيّ آل محمد عليهم السلام، حتّى اُقيموا على الدرج، إذ جاء شيخ من أهل الشام، فقال: الحمد لله الذي مثّلكم، وقطع قرن الفتنة.

فقال علي بن الحسين: أيّها الشيخ، انصت لي، فقد نصت لك حتّى أبديت لي عمّا في نفسك من العداوة: هل قرأت القرآن ؟ . قال: نعم. قال: هل وجدت لنا فيه حقاً خاصة دون المسلمين ؟ . قال: لا. قال: ما قرأت القرآن . قال: بلى، قد قرأت القرآن. قال: فما قرأت الأنفال: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ أتدرون من هم ؟» . قال: لا. قال: فإنّا نحن هم . قال: إنّكم لأنتم هم ؟ قال: نعم.


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ تفسير العياشي 2 : 63 سورة الانفال: الآية 41 ، الحديث 63 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 59ــــــــــــــــــــ

قال: فرفع الشيخ يده، ثم قال: اللهمّ إنّي أتوب إليك من قتل آل محمد، ومن عداوة آل محمد صلى الله عليه وآله(1).

3 ـ روي عن زين العابدين علي بن الحسين: أنّه قال: إنّ الخمس لنا . فقيل له: إنّ الله يقول: ﴿وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ فقال: يتامانا ومساكيننا وأبناء سبيلنا(2).

زمان الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام:

لعل الظروف السياسيّة القاسية الّتي عاشها الأئمّة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله كانت تمنعهم من جبايـة الخمس؛ لأنّ الجبايـة كانت من أبرز وظائف السلطان المتسلّط آنذاك، ومن ينازعه في ذلك كان يعدّ خارجاً عن القانون، متمرّداً على السلطة، وكانت تهمة جباية الأموال تلصق بمن يتّصف بالمعارضة لسلطان الوقت، كتهمة جمع السلاح، فكانوا يقولون: فلان يجمع السلاح، ويجبي الأموال، والمراد: أنّه كان يستعدّ للخروج على السلطان وأخذ السلطة منه.

ولكن بعد الانفراج النسبي الذي ساد أوائل عصر العباسيين كانت الظروف تسمح للأئمة عليهم السلام بنشر التعاليم الإلهيّة الحقّة، والّتي من جملتها فريضة الخمس في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير، وجبايته بصورة شبه سريّة.

فاحتاج الشيعة في ذاك الوقت إلى مرشدين يهدونهم إلى تعاليم الأئمّة عليهم السلام ، فعيّن لهم الأئمّة من يقوم بذلك، وينوب عنهم في أخذ الحقوق المالية، فكانوا يرجعون إلى الوكلاء النوّاب في ذينك تارة، وأخرى يجتمعون بإمامهم إذا تيسّر لهم السفر إليه.


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ تفسير فرات الكوفي: 153 ، وانظر بحار الانوار 45 : 129 ، والمصدر نفسه 93 : 202 الباب 24 الحديث 21 . وراجع جامع البيان المجلد 6 الجزء 10 : 8 سورة الانفال الحديث 12502.
2ـ فتح القدير 2: 310 سورة الانفال ، كيف تقسم الغنائم .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 60ــــــــــــــــــــ

وهذا الانفراج النسبي في عصر الصادقين عليهما السلام هو ما يفسّر وفرة الأحاديث في مختلف المجالات عنهما عليهما السلام ، فلذا نجد: أنّ أكثر الأحكام الشرعيّة قد رويت عنهما؛ لكثرة تلاميذهما، وفسح المجال من قبل العباسيين لهما؛ ليبيّنا ما أرادا من أحكام.

من أحاديث الإمام الباقرعليه السلام بشأن الخمس:

1 ـ عن أبي بصير قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما أيسر ما يدخل به العبد النار ؟ قال: من أكل من مال اليتيم درهماً، ونحن اليتيم(1).

2 ـ وعنه أيضاً، عن أبي جعفر عليه السلام ـ في حديث ـ ، قال : لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئاّ حتّى يصل إلينا حقنا(2).

3 ـ وعنه أيضاً، عن أبي جعفر عليه السلام، قال : سمعته يقول : من اشترى شيئاً من الخمس لم يعذره الله؛ اشترى ما لا يحل له(3).

4 ـ وعن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام، قال : سألته عن معادن الذهب والفضّة والصفر والحديد والرصاص، فقال : عليها الخمس جميعاً(4).

5 ـ وعنه أيضاً قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الملاحة، فقال: وما الملاحة ؟ فقال: أرض سبخة مالحة، يجتمع فيه الماء، فيصير ملحاً، فقال : هذا المعدن فيه الخمس . فقلت: والكبريت والنفط يخرج من الأرض ؟ قال:


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة 9: 483 ، الباب1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث1.
2ـ وسائل الشيعة 9 : 484 ، الباب 1 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 .
3ـ وسائل الشيعة 9 : 484 ، الباب 1 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5 .
4ـ وسائل الشيعة 9: 491 ، الباب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 61ــــــــــــــــــــ

فقال: هذا وأشباهه فيه الخمس(1).

6 ـ وعن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام، قال: سألته عن المعادن: ما فيها، فقال: كل ما كان ركازاً ففيه الخمس . وقال: ما عالجته بمالك ففيه ـ ما أخرج الله سبحانه منه من حجارته مصفى ـ الخمس(2).

7 ـ وعن أبي عبيدة الحذاء قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : أيّما ذمّيّ اشترى من مسلم أرضاً فإنّ عليه الخمس(3).

من أحاديث الإمام الصادق عليه السلام بشأن الخمس:

1 ـ عن عيسى بن عبد الله العلوي، عن أبيه، عن جده، عن جعفر بن محمد عليه السلام، قال: إنّ الله ـ لا إله إلا هو ـ لمّا حرّم علينا الصدقة أبدلنا الخمس، فالصدقة علينا حرام، والخمس لنا فريضة، والكرامة لنا حلال(4).

2 ـ وعن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام : في الرجل من أصحابنا يكون في أوانهم [لوائهم] ، فيكون معهم، فيصيب غنيمة، قال : يؤدّي خمسنا [خمسها] ، ويطيب له (5).

3 ـ وعن عمار بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: فيما يخرج من المعادن والبحر والغنيمة والحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه والكنوز الخمس(6).

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة 9: 492 ، الباب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
2ـ وسائل الشيعة 9: 492 ، الباب3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3.
3ـ وسائل الشيعة 9: 505، الباب 9 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث1.
4ـ الخصال 1 : 321 ، باب الخمسة، الحديث 51 ، وسائل الشيعة 9: 483، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
5ـ وسائل الشيعة 9: 488، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 8 .
6ـ وسائل الشيعة 9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 62ــــــــــــــــــــ

4 ـ وعن ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: الخمس على خمسة أشياء: على الكنوز والمعادن والغوص والغنيمة، ونسي ابن أبي عمير الخامس(1).

وكلاء الإمام الصادق عليه السلام:

وأمّا وكلاء الإمام الصّادق عليه السلام فكانوا عدّة، وأما الإمام الباقر عليه السلام فلم ينقل: أنّه كان له وكلاء، ولعل ذلك لعدم مناسبة نصب الوكلاء في زمانه، كما مرّت الإشارة إليه.

وكيف كان فمن وكلاء الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام المحمودين:

1 ـ حمران بن أعين الشيباني أخو زرارة. قال الشيخ في الغيبة : فمن المحمودين حمران بن أعين ....عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام ـ وذكرنا حمران بن أعين ـ فقال: لا يرتدّ ـ والله ـ أبداً، ثم أطرق هنيئة، ثم قال: أجل، لا يرتدّ ـ والله ـ أبداً(2).

2 ـ المفضّل بن عمر. روى الشيخ في كتاب الغيبة : عن هشام بن أحمر قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام ـ وأنا أريد أن أسأله عن المفضل بن عمر ـ وهو في ضيعة له في يوم شديد الحرّ، والعرق يسيل على صدره، فابتدأني فقال: نعم، والله الذي لا إله إلا هو، الرجل المفضل بن عمر الجعفي. نعم، والله الذي لا إله إلا هو، الرجل (هو) المفضل بن عمر الجعفي حتّى أحصيت بضعاً وثلاثين مرة يكرّرها، وقال: إنّما هو والد بعد والد(3) .


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة 9: 494، الباب 3 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 7 .
2ـ الغيبة : 346 ، الحديث 296 .
3ـ الغيبة: 346 ، الحديث 297 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 63ــــــــــــــــــــ

وروي عن هشام بن أحمر قال: حملت إلى أبي إبراهيم عليه السلام إلى المدينة أموالاً، فقال: ردّها، فادفعها إلى المفضل بن عمر . فرددتها إلى جعفي، فحططتها على باب المفضل(1).

وروي عن موسى بن بكر قال: كنت في خدمة أبي الحسن عليه السلام، فلم أكن أرى شيئاً يصل إليه إلاّ من ناحية المفضل، ولربما رأيت الرجل يجيء بالشيء فلا يقبله منه، ويقول: أوصله إلى المفضل(2).

3 ـ المعلّى بن خنيس. ذكر الشيخ في كتاب الغيبة : وكان من قوّام أبي عبد الله عليه السلام، وإنّما قتله داود بن علي بسببه، وكان محموداً عنده، ومضى على منهاجه، وأمره مشهور(3) .

فروي عن أبي بصير قال: لمّا قتل داود بن (علي) المعلّى بن خنيس فصلبه، عظم ذلك على أبي عبد الله عليه السلام ، واشتدّ عليه، وقال له: يا داود ! على ما قتلت مولاي وقيمي في مالي وعلى عيالي ؟ والله، إنّه لأوجه عند الله منك ، في حديث طويل(4).

وفي خبر آخر: أنّه قال: أما والله، لقد دخل الجنة(5).

4 ـ نصر بن قابوس اللخمي .قال الشيخ النجاشي: نصر بن قابوس اللخمي القابوسي، روى عن أبي عبد الله وأبي إبراهيم وأبي الحسن الرضاعليهم السلام ، وكان ذا منزلة عندهم ...) (6).

وعدّه الشيخ المفيد من خاصة أبي الحسن وثقاته، وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته، وممّن روى النص على


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ الغيبة : 347 ، الحديث 298 .
2ـ الغيبة: 347 ، الحديث 299 .
3ـ الغيبة : 347 ، ذيل الحديث 299 .
4ـ الغيبة 347 ، الحديث 300 .
5ـ الغيبة:347 ، الحديث 301 .
6ـ رجال النجاشي:427 / 1146.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 64ــــــــــــــــــــ

الرضا علي بن موسى عليهما السلام بالإمامة من أبيه، والإشارة إليه منه بذلك(1).

وقال الشيخ رحمه الله : فروى: أنّه كان وكيلاً لأبي عبد الله عليه السلام عشرين سنة، ولم يعلم: أنّه وكيل، وكان خيّراً فاضلاً(2).

5 ـ عبد الرحمن بن الحجّاج. قال الشيخ في الغيبة : كان عبد الرحمن بن الحجّاج وكيلاً لأبي عبد الله عليه السلام، ومات في عصر الرضا عليه السلام على ولايته(3).

زمان الإمامين الكاظم والرضا عليهما السلام :

كان الانفراج النسبي الذي أفاد منه الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام قصير المدة، وما فتئ أن عاد عهد التقية من جديد في أخريات زمان الإمام الصادق عليه السلام، وبلغ أشدّه في أواخر زمان الإمام الكاظم حتّى استشهاده، إلاّ أنّ ذلك لم يمنعه عليه السلام من القيام بما يمكنه من بثّ الأحكام وإقامة شريعة الإسلام، ما استطاع لذلك سبيلاً. هذا وقد انتشر التشيّع في زمان الإمامين الكاظم والرضا عليهما السلام انتشاراً كبيراً، حتّى وصل إلى بلاط الخلفاء العباسيين وقادة الجيوش، وقد كان الإمامان عليهما السلام يعلنان ـ فيما يعلنان من المعارف الإسلامية ـ أمر فريضة الخمس، ويبيّنان سعة متعلّقه، وكيفيّة تقسيم سهامه، والتأكيد على أدائه، والتشديد في أمره، حتّى وصل الأمر إلى أن أصبح دفع الشيعة للخمس من أبرز ما يعرفون به.


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ الإرشاد 2: 247 ـ 248 .
2ـ الغيبة: 347 الحديث 302 .
3ـ الغيبة:348 ذيل الحديث 302 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 65ــــــــــــــــــــ

من أحاديث الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام بشأن الخمس:

1 ـ عن عمران بن موسى، عن موسى بن جعفر، قال: قرأت عليه آية الخمس، فقال: ما كان لله فهو لرسوله، وما كان لرسوله فهو لنا . ثم قال: والله، لقد يسّر الله على المؤمنين أرزاقهم بخمسة دراهم، جعلوا لربهم واحداً، وأكلوا أربعة أحلاّء . ثم قال: هذا من حديثنا صعب مستصعب، لا يعمل به ولا يصبر عليه إلاّ ممتحن قلبه للإيمان(1).

2 ـ عن سماعة قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الخمس، فقال: في كلّ ما أفاد الناس من قليل أو كثير(2).

3 ـ عن حمّاد بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن العبد الصالح عليه السلام، قال: الخمس من خمسة أشياء: من الغنائم، والغوص، ومن الكنوز، ومن المعادن، والملاحة . .. الحديث (3).

4 ـ عن محمد بن علي بن أبي عبد الله [محمد بن علي] ، عن أبي الحسن عليه السلام ، قال: سألته عمّا يخرج من البحر من: اللؤلؤ والياقوت والزبرجد، وعن معادن الذهب والفضة: هل (فيها زكاة) [عليه زكاتها] ؟ فقال: إذا بلغ قيمته ديناراً ففيه الخمس(4).

5 ـ عن عيسى بن المستفاد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه عليهما السلام : أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأبي ذر وسلمان والمقداد: اشهدوني على أنفسكم بشهادة أن لا إله إلا الله ـ إلى أن قال: ـ وأنّ علي بن أبي طالب وصيّ محمد وأمير المؤمنين [وليّ المؤمنين ومولاهم، وأنّ حقه من الله مفروض واجب] ، وأنّ طاعته طاعة الله ورسوله، والأئمّة من ولده، وأنّ مودّة أهل بيته مفروضة واجبة على كلّ مؤمن ومؤمنة، مع إقام الصلاة لوقتها،


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة 9: 484، الباب 1 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
2ـ وسائل الشيعة 9: 503، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 6.
3ـ وسائل الشيعة 9: 487، الباب 2 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
4ـ وسائل الشيعة 9: 493، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس،الحديث 5.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 66ــــــــــــــــــــ

وإخراج الزكاة من حلّها، ووضعها في أهلها، وإخراج الخمس من كلّ ما يملكه أحد من الناس، حتّى يرفعه [يدفعه] إلى وليّ المؤمنين وأميرهم، ومن بعده من الأئمّة من ولده. فمن عجز ولم يقدر إلاّ على اليسير من المال فليدفع ذلك إلى الضعفاء من أهل بيتي من ولد الأئمّة ...(1).

من وكلاء أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام المحمودين :

1 ـ عبد الله بن جندب البجلي. قال الشيخ في الغيبة : كان وكيلاً لأبي إبراهيم وأبي الحسن الرضا عليه السلام، وكان عابداً رفيع المنزلة لديهما، على ما روي في الأخبار(2).

2 ـ المفضل بن عمر. وقد تقدّم عن شيخ الطائفة في الغيبة : أنّه كان وكيلاً لأبي عبد الله الصادق عليه السلام ، وأنّه روي عن هشام بن أحمر قال: حملت إلى أبي إبراهيم عليه السلام إلى المدينة أموالاً، فقال: ردّها، فادفعها إلى المفضل بن عمر، فرددتها إلى جعفي، فحططتها على باب المفضل(3). وروي عن موسى بن بكر قال: كنت في خدمة أبي الحسن عليه السلام ، فلم أكن أرى شيئاً يصل إليه إلاّ من ناحية المفضل، ولربّما رأيت الرجل يجيء بالشيء، فلا يقبله منه، ويقول: أوصله إلى المفضل(4).

3 ـ يونس بن يعقوب البجلي. قال الشيخ النجاشي: يونس بن يعقوب بن قيس أبو علي الجلاّب البجلي الدهني، أمه مُنيَّة بنت عمار بن أبي معاوية الدهني أخت معاوية بن عمار. اختصّ بأبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام، وكان يتوكّل لأبي الحسن عليه السلام، ومات بالمدينة في أيّام الرضا عليه السلام، فتولّى أمره، وكان حظيّاً عندهم


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة 9: 553، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام، الحديث 21
2ـ الغيبة: 348.
3ـ الغيبة: 347 الحديث 298 .
4ـ الغيبة: 347 الحديث 299 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 67ــــــــــــــــــــ

موثّقاً(1).

من أحاديث الإمام علي بن موسى عليهما السلام بشأن الخمس:

1 ـ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ، قال: سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز، فقال: ما يجب الزكاة في مثله ففيه الخمس(2).

2 ـ عن علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ـ في حديث ـ ، قال: كان لعبد المطلب خمس من السنن أجراها الله له في الإسلام: حرّم نساء الآباء على الأبناء، وسنّ الدية في القتل مائة من الإبل، وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط، ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس، وسمّى زمزم حين حفرها سقاية الحاج(3).

3 ـ عن الريان بن الصلت، عن الرضا عليه السلام ـ في حديث طويل ـ ، قال : وأمّا الثامنة فقول الله عز وجل : ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ فقرن سهم ذي القربى مع سهمه وسهم رسول الله صلى الله عليه وآله ـ إلى أن قال : ـ فبدأ بنفسه، ثم برسوله، ثم بذي القربى ... (4).

4 ـ عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن الرضا عليه السلام ، قال: سئل عن قول الله عز وجل: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ رجال النجاشي: 446 / 1207 .
2ـ وسائل الشيعة 9: 495، الباب 5 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2.
3ـ وسائل الشيعة 9 : 496 ، الباب 5 من ابواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4 .
4ـ وسائل الشيعة 9: 515 ، الباب 1 من أبواب قسمة الخمس، الحديث10.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 68ــــــــــــــــــــ

غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ (1)، فقيل له: فما كان لله، فلمن هو ؟ فقال: لرسول الله صلى الله عليه وآله، وما كان لرسول الله صلى الله عليه وآله فهو للإمام فقيل له: أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقل: ما يصنع به ؟ قال: ذاك إلى الإمام. أرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله كيف يصنع؟ أليس إنّما كان يعطي على ما يرى ؟ كذلك الامام(2).

5 ـ عن محمد بن زيد الطبري [محمّد بن يزيد الطبري] قال: كتب رجل من تجّار فارس من بعض موالي أبي الحسن الرضا عليه السلام يسأله الأذن في الخمس، فكتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم إنّ الله واسع كريم، ضمن على العمل الثواب، وعلى الضيق الهمّ [وعلى الخلاف العقاب] . لا يحلّ مال إلاّ من وجه أحلّه الله. إنّ الخمس عوننا على ديننا وعلى عيالاتنا وعلى أموالنا [موالينا] ، وما نبذله ونشتري من أعراضنا ممّن نخاف سطوته فلا تزووه عنا، ولا تحرموا أنفسكم دعاءنا ما قدرتم عليه؛ فإنّ إخراجه مفتاح رزقكم، وتمحيص ذنوبكم، وما تمهدون لأنفسكم ليوم فاقتكم. والمسلم من يفي لله بما عهد إليه، وليس المسلم من أجاب باللسان وخالف بالقلب والسلام(3).

6 ـ وعن محمد بن زيد ايضاً قال: قدم قوم من خراسان على أبي الحسن الرضا عليه السلام، فسألوه أن يجعلهم في حلّ من الخمس، فقال: ما أمحل هذا ؟ ! تمحضونا المودة بألسنتكم، وتزوون عنّا حقّاً جعله الله لنا وجعلنا له [وهو الخمس] ، لا نجعل، لا نجعل، لا نجعل لأحد [أحداً] منكم في حلّ(4).


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة الأنفال: الآية 41.
2ـ وسائل الشيعة 9: 519 الباب 2 من أبواب قسمة الخمس، الحديث 1.
3ـ وسائل الشيعة 9: 538، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام، الحديث 2.
4ـ وسائل الشيعة 9 : 539 ، الباب 3 من ابواب الانفال وما يختص بالامام ، الحديث 3 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 69ــــــــــــــــــــ

من وكلاء أبي الحسن الرضا عليه السلام المحمودين :

1 ـ يونس بن عبد الرحمن. قال الشيخ النجاشي عنه: كان وجهاً في أصحابنا، متقدّماً، عظيم المنزلة، ولد في أيّام هشام بن عبد الملك، ورأى جعفر بن محمد عليهما السلام بين الصفا والمروة، ولم يرو عنه. وروى عن أبي الحسن موسى والرضا عليهما السلام ، وكان الرضا عليه السلام يشير إليه في العلم والفتيا. وكان ممّن بذل له على الوقف مال جزيل، وامتنع (فامتنع) من أخذه، وثبت على الحق...قال أبو عمرو الكشي ..قال : حدثني عبد العزيز بن المهتدي ـ وكان خير قمّي رأيته، وكان وكيل الرضا عليه السلام وخاصته ـ فقال: إنّي سألته فقلت: إنّي لا أقدر على لقائك في كلّ وقت، فعمّن آخذ معالم ديني ؟ فقال: خذ عن يونس بن عبد الرحمن . وهذه منزلة عظيمة(1).

2 ـ عبد الله بن جندب البجلي. وقد مرّ في وكلاء الإمام الكاظم عليه السلام.

3 ـ زكريّا بن آدم. يظهر من رواية نقلها الكشي: أنه كان وكيلاً للإمامين الرضا والجواد عليهما السلام ؛ حيث قال: أحمد بن محمد بن عيسى القمي، قال: بعث إلي أبو جعفر عليه السلام غلامه، ومعه كتابه، فأمرني أن أصير إليه، فأتيته، فهو بالمدينة نازل في دار بزيع. فدخلت عليه، وسلّمت عليه، فذكر في صفوان ومحمد بن سنان وغيرهما ممّا قد سمعه غير واحد. فقلت في نفسي: استعطفه على زكريا بن آدم؛ لعله أن يسلم ممّا قال في هؤلاء، ثم رجعت إلى نفسي، فقلت: من أنا أن أتعرّض في هذا وفي شبهه، مولاي هو أعلم بما يصنع فقال لي: يا أبا علي، ليس على مثل أبي يحيى يعجل، وقد كان من خدمته لأبي عليه السلام ومنزلته عنده وعندي من بعده، غير أنّي احتجت إلى المال الذي عنده، فقلت: جعلت فداك، هو باعث إليك بالمال.

وقال لي: إن وصلت إليه فاعلمه: أنّ الذي منعني من بعث المال اختلاف ميمون ومسافر، فقال: احمل كتابي إليه، ومره أن يبعث إلي بالمال . فحملت كتابه إلى زكريا، فوجّه إليه بالمال. قال: فقال لي أبو جعفر عليه السلام ابتداءاً

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ رجال النجاشي:446 / 1208 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 70ــــــــــــــــــــ

منه: ذهبت الشبهة، ما لأبي ولد غيري، فقلت: صدقت، جعلت فداك(1).

4 ـ صفوان بن يحيى. قال الشيخ النجاشي: أبو محمد البجلي بيّاع السابري، كوفي، ثقة ثقة، عين. روى أبوه عن أبي عبد الله عليه السلام، وروى هو عن الرضا عليه السلام، وكانت له عنده منزلة شريفة. ذكره الكشي في رجال أبي الحسن موسى عليه السلام، وقد توكّل للرضا وأبي جعفر عليهما السلام ، وسلم مذهبه من الوقف، وكانت له منزلة من الزهد والعبادة، وكان جماعة الواقفة بذلوا له مالاً كثيراً، وكان شريكاً لعبد الله بن جندب وعلي بن النعمان(2).

5 ـ علي بن مهزيار الأهوازي. يظهر من عبارة الشيخ النجاشي: أنّه كان وكيلاً للرضا عليه السلام، قال: روى عن الرضا وأبي جعفر عليهما السلام ، واختصّ بأبي جعفر الثاني [عليه السلام] ، وتوكّل له، وعظم محلّه منه، وكذلك أبو الحسن الثالث عليه السلام ، وتوكّل لهم في بعض النواحي، وخرجت إلى الشيعة فيه توقيعات بكل خير، وكان ثقة في روايته، لا يطعن عليه، صحيحاً اعتقاده(3).

زمان الإمام الجواد عليه السلام

تولى الإمام الجواد عليه السلام زمام الإمامة بعد شهادة أبيه الرضا عليه السلام مسموماً، وعرفت شيعة أبيه النص عليه منه، وعلمت فضله وعلمه وتفوّقه على سائر أهل البيت الهاشمي، مع صغر سنّه. فانقادت له الشيعة، وظهر أمره في الآفاق، وانتشر التشيّع في زمانه أكثر من ذي قبل، فقام عليه السلام بأعباء الإمامة خير قيام، ولم يمنعه صغر سنّه من القيام بوظائفها، كما لم يلحظ الشيعة الفرق بينه وبين آبائه الطاهرين عليهم السلام ، فقد كانت


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ اختيار معرفة الرجال: 633 / 1115 .
2ـ رجال النجاشي: 197 / 524 .
3ـ رجال النجاشي: 253 / 664 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 71ــــــــــــــــــــ

الشيعة تستفتيه في أحكام دينها، وتأخذ عنه معالمه أصولاً وفروعاً، كما كانت تأخذ عن آبائه عليهم السلام . وكان عليه السلام يظهر لهم المعجزات؛ تثبيتاً لقلوبهم، وإقامة للحجّة عليهم، ويبيّن لهم ما أشكل عليهم من أمور دينهم ودنياهم، ويبثُّ فيهم الوكلاء عنه عليه السلام ، يعلِّمون من بعدت شقّته منهم معالم الدين، ويرشدونهم، ويعينون محتاجهم، ويقيمون فيهم فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويستلمون الخمس منهم.

وفي زمانه عليه السلام صدر منه حكم فيه امتنان وتخفيف على شيعته بشأن الخمس، في السنة الّتي كان السلطان يأخذ الأموال من الشيعة، كما كانت تصيبهم نوائب فيها، فأعمل الإمام ولايته، وأسقط عن الشيعة خمس أرباح المكاسب في تلك السنة؛ تخفيفاً عنهم، ومنّة منه عليه السلام عليهم.

من أحاديث الإمام محمّد بن علي الجواد عليه السلام بشأن الخمس:

1 ـ عن إبراهيم بن هاشم قال : كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام ، إذ دخل عليه صالح بن محمد بن سهل، وكان يتولّى له الوقف بقم، فقال: يا سيدي، اجعلني من عشرة آلاف [درهم] في حلّ؛ فإنّي قد أنفقتها. فقال له: أنت في حلٍّ. فلمّا خرج صالح فقال أبو جعفر عليه السلام: أحدهم يثب على أموال [حقّ] آل محمد وأيتامهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فيأخذه، ثم يجيء فيقول: اجعلني في حلّ، أتراه ظنّ: أنّي أقول: لا أفعل. والله، ليسألنّهم الله يوم القيامة عن ذلك سؤالاً حثيثاً(1).

2 ـ عن الحكم بن علبا الأسدي ـ في حديث ـ قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام ، فقلت له: إنّي ولّيت البحرين، فأصبت بها مالاً كثيراً، واشتريت متاعاً، واشتريت رقيقاً، واشتريت أمّهات أولاد، وولد لي وأنفقت، وهذا خمس ذلك المال، وهؤلاء أمّهات أولادي ونسائي قد أتيتك به ؟ فقال: أما إنّه كلّه لنا، وقد قبلت ما جئت


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة 9: 537، الباب3 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام عليه السلام، الحديث1.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 72ــــــــــــــــــــ

به، وقد حللتك من أمّهات أولادك ونسائك، وما أنفقت وضمنت لك ـ عليّ وعلى أبي ـ الجنّة(1).

3 ـ عن علي بن مهزيار قال: كتب إليه أبو جعفر عليه السلام ـ وقرأت أنا كتابه إليه في طريق مكة ـ قال: إنّ الذي أوجبت في سنتي هذه وهذه سنة عشرين ومائتين فقط لمعنى من المعاني، أكره تفسير المعنى كلّه؛ خوفاً من الانتشار، وسأفسر لك بعضه [بقيّته] إن شاء الله. إنّ مواليّ ـ أسأل الله صلاحهم ـ أو بعضهم قصّروا فيما يجب عليهم، فعلمت ذلك، فأحببت أن أطهّرهم وأزكّيهم بما فعلت في عامي هذا من أمر الخمس (في عامي هذا). قال الله تعالى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (2).

ولم أوجب ذلك عليهم في كلّ عام، ولا أوجب عليهم إلاّ الزكاة التي فرضها الله عليهم، وإنّما أوجبت عليهم الخمس في سنتي هذه في الذهب والفضة التي قد حال عليهما الحول، ولم أوجب ذلك عليهم في متاع ولا آنية ولا دوابّ ولا خدم ولا ربح ربحه في تجارة ولا ضيعة إلاّ ضيعة، سأفسر لك أمرها؛ تخفيفاً مني عن موالي، ومنّاً منّي عليهم؛ لما يغتال السلطان من أموالهم، ولما ينوبهم في ذاتهم.

فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام، قال الله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (3) .

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة 9: 528، الباب 1 من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام عليه السلام، الحديث13.
2ـ سورة التوبة: الآيات 103ـ105.
3ـ سورة الأنفال: الآية 41.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 73ــــــــــــــــــــ

والغنائم والفوائد ـ يرحمك الله ـ فهي الغنيمة يغنمها المرء، والفائدة يفيدها، والجائزة من الإنسان للإنسان التي لها خطر، والميراث الذي لا يحتسب من غير أب ولا ابن، ومثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله، ومثل مال يؤخذ ولا يعرف له صاحب...(1).

4 ـ عن محمد بن الحسن الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام : أخبرني عن الخمس: أعلى جميع ما يستفيد الرجل من قليل وكثير، من جميع الضروب، وعلى الصنّاع ؟ وكيف ذلك ؟ فكتب بخطّه : الخمس بعد المؤونة(2).

من وكلاء الإمام الجواد عليه السلام:

1 ـ صفوان بن يحيى. مرّ في وكلاء الإمام الرضا عليه السلام.

2 ـ عبد العزيز بن المهتدي القمي الأشعري.

قال شيخ الطائفة في الغيبة : خرج فيه عن أبي جعفر عليه السلام: قبضت، والحمد لله، وقد عرفت الوجوه التي صارت إليك منها، غفر الله لك ولهم الذنوب، ورحمنا وإيّاكم . وخرج فيه: غفر الله لك ذنبك، ورحمنا وإيّاك، ورضي عنك برضائي عنك(3).


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة 9: 501، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 5.
2ـ وسائل الشيعة 9: 499، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 1.
3ـ الغيبة: 349 الحديث 305 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 74ــــــــــــــــــــ

3 ـ علي بن مهزيار الأهوازي. قال شيخ الطائفة في الغيبة : علي بن مهزيار الأهوازي، وكان محموداً:... عن الحسن بن شمون قال: قرأت هذه الرسالة على علي بن مهزيار، عن أبي جعفر الثاني بخطّه: بسم الله الرحمن الرحيم يا علي، أحسن الله جزاك، وأسكنك جنّته، ومنعك من الخزيّ في الدنيا والآخرة، وحشرك الله معنا. يا علي، قد بلوتك وخبّرتك في النصيحة والطاعة والخدمة والتوقير والقيام بما يجب عليك، فلو قلت: إنّي لم أر مثلك لرجوت أن أكون صادقاً، فجزاك الله جنّات الفردوس نزلاً، فما خفي عليّ مقامك ولا خدمتك في الحرّ والبرد، في الليل والنهار، فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها، إنّه سميع الدعاء(1).

3 ـ زكريا بن آدم. وقد مرّ في وكلاء الإمام الرضا عليه السلام.

4ـ خيران الخادم القراطيسي. قال الكشي رحمه الله: حمدويه وإبراهيم، قالا: حدثنا محمد بن عيسى، قال : حدثني خيران الخادم، قال: .. قلت: جعلت فداك، إنّه ربّما أتاني الرجل لك قبله الحق، أو يعرف موضع الحق لك، فيسألني عمّا يعمل به؟ فيكون مذهبي آخذ ما يتبرّع في سرّ. قال: اعمل في ذلك برأيك، فإنّ رأيك رأيي، ومن أطاعك فقد أطاعني.

قال أبو عمرو: هذا يدل على: أنّه كان وكيله، ولخيران هذا مسائل يرويها عنه وعن أبي الحسن عليه السلام(2).

5 ـ إبراهيم بن محمّد الهمداني(3) .

6 ـ يحيى بن أبي عمران الهمداني.


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ الغيبة: 349 الحديث 306 .
2ـ اختيار معرفة الرجال: 646 / 1134 .
3ـ وذكره الكشّي في ترجمة محمّد بن إبراهيم بن محمّد الهمداني، وقال: إنّ إبراهيم كان وكيلاً، وكان حجّ أربعين حجّة. اختيار معرفة الرجال: 644 / 1131 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 75ــــــــــــــــــــ

ويظهر: أنه والذي قبله كانا من وكلائه عليه السلام من رواية بصائر الدرجات، عن محمد بن عيسى، قال: حدثني إبراهيم بن محمد، قال: كان أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام كتب إليّ كتاباً، وأمرني أن لا أفكّه حتّى يموت يحيى بن أبي عمران. قال: فمكث الكتاب عندي سنين، فلمّا كان اليوم الذي مات فيه يحيى بن ابي عمران، فككت الكتاب، فإذا فيه: قم بما كان يقوم به أو نحو هذا من الامر قال (1).

زمان الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام :

نهض الإمام علي الهادي عليه السلام بالإمامة صغيراً، كأبيه الذي استشهد مسموماً مظلوماً، وقالت الشيعة بإمامته؛ لنص أبيه عليه، وقد ظهر منه ما ظهر من آبائه الطاهرين عليهم السلام من الاحاطة بجميع معالم الشريعة وتفاصيلها، ومن معرفة المغيّبات، والاطّلاع على ما في النفس، وغير ذلك من بحار علومهعليه السلام.

وفي عصره عليه السلام استأنف الحكّام العباسيون التضييق على الشيعة؛ لما رأوا من انتشار أمرهم، ونكّلوا بالعلويّين، وظهر عداؤهم للأئمة من أهل البيت عليهم السلام بوضوح، بل إنّ المتوكّل هدم قبر سيد الشهداء عليه السلام وحرثه، ومنع الناس من زيارته، وأشخص الإمام الهادي عليه السلام من المدينة إلى سامراء؛ ليكون تحت مراقبته، وقد تحمّل الإمام عليه السلام ـ كآبائه الطاهرين ـ أنواع التعسّف والجور في سبيل إحياء القيم ونشر المعارف وتربية رجال العلم والفضيلة.

وأما الإمام العسكري عليه السلام فقد لازم أباه الهادي عليه السلام منذ أن أشخصه المتوكّل من المدينة إلى سامراء إلى أن استشهد عليه السلام، وبقي بعده عليه السلام قائماً بشؤون الإمامة، مبلّغاً لأحكام الشريعة والمعارف الحقّة،


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ بصائر الدرجات 6 : 344 ، الباب 1 الحديث 2 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 76ــــــــــــــــــــ

شأنه في ذلك شأن آبائه الطاهرين، إلاّ أنّه أصابه ما أصاب أباه من الضيق والأذى من خلفاء بني العباس. وكانت الشيعة تأخذ عنه معارف الإسلام وأحكامه بواسطة رجال معروفين من قوّامه في كثير من الأحيان، كما كانوا يستفيدون منه عن طريق المكاتبات في أحيان كثيرة اخرى ، ولم يكن يتسنّى لهم اللقاء به (صلوات الله عليه) في كلّ وقت، ولذا نصب لهم ـ كآبائه عليهم السلام ـ الوكلاء؛ لتبليغ الأحكام، وحلّ المنازعات، واستلام الحقوق الشرعية.

كما قام عليه السلام بدور مهم جداً في تهيئة نفوس الشيعة لمسألة غيبة وليّ الله بعده، والتمهيد لانقطاعهم عن الاتّصال المباشر بالإمام عليه السلام، وذلك بتقليل اتصاله المباشر معهم، والتعامل كثيراً معهم عن طريق الوكلاء المنصوبين من قبله عليه السلام.

من أحاديث الإمام علي بن محمّد الهادي عليه السلام بشأن الخمس:

1ـ عن علي بن محمد بن شجاع النيسابوري: أنه سأل أبا الحسن الثالث عليه السلام عن رجل أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كرّ ما يزكّي، فأخذ منه العشر عشرة أكرار، وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كرّاً، وبقي في يده ستون كرّاً: ما الذي يجب لك من ذلك ؟ وهل يجب لأصحابه من ذلك عليه شيء ؟ فوقّع عليه السلام: لي منه الخمس ممّا يفضل من مؤونته(1).

2 ـ عن علي بن مهزيار قال : قال لي أبو علي بن راشد: قلت له : أمرتني بالقيام بأمرك، وأخذ حقك، فأعلمت مواليك بذلك، فقال لي بعضهم: وأيّ شيء حقه ؟ فلم أدر ما أجيبه. فقال: يجب عليهم الخمس . فقلت: ففي أيّ شيء ؟ فقال: في أمتعتهم وصنائعهم [وضياعهم] . قلت [قال] : والتاجر عليه والصانع بيده ؟ فقال [وكذلك] :


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة 9 : 500، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 2 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 77ــــــــــــــــــــ

إذا أمكنهم بعد مؤونتهم(1).

3 ـ وعنه قال : كتب إليه إبراهيم بن محمد الهمداني : أقرأني عليٌّ كتاب أبيك فيما أوجبه على أصحاب الضياع: أنّه أوجب عليهم نصف السدس بعد المؤونة، وأنّه ليس على من لم تقم ضيعته بمؤونته نصف السدس، ولا غير ذلك، فاختلف من قبلنا في ذلك، فقالوا : يجب على الضياع الخمس بعد المؤونة: مؤونة الضيعة وخراجها، لا مؤونة الرجل وعياله .

فكتب ـ وقرأه علي بن مهزيار ـ : عليه الخمس بعد مؤونته، ومؤونة عياله، وبعد خراج السلطان(2).

4 ـ عن أبي علي بن راشد قال: قلت لأبي الحسن الثالث عليه السلام: إنّا نؤتى بالشيء، فيقال: هذا كان لأبي جعفرعليه السلام عندنا، فكيف نصنع ؟ فقال: ما كان لأبي عليه السلام بسبب الإمامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب الله وسنة نبيه(3).


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة 9 : 500، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 3 .
2ـ وسائل الشيعة 9: 500، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 4.
3ـ وسائل الشيعة 9: 537، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام، الحديث 6 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 78ــــــــــــــــــــ

من أحاديث الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام بشأن الخمس:

1 ـ عن الريّان بن الصلت قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام: ما الذي يجب علي ـ يا مولاي ـ في غلّة رحى أرض في قطيعة لي، وفي ثمن سمك وبردي وقصب، أبيعه من أجمة هذه القطيعة ؟ فكتب : يجب عليك فيه الخمس، إن شاء الله تعالى(1).

2 ـ قال الكشّي: حكى بعض الثقات بنيسابور: أنّه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمد عليه السلام توقيع: ... وفرض عليكم لأوليائه حقوقاً، أمركم بأدائها إليهم؛ ليحلّ لكم وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم ومعرفتكم بذلك النّماء والبركة والثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب، قال الله عزّوجلّ: ﴿قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى﴾ (2)، واعلموا: أنّ من يبخل فإنّما يبخل على نفسه، وأنّ الله هو الغنيّ وأنتم الفقراء إليه، لا إله إلاّ هو ...(3).


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة 9: 504، الباب 8 من أبواب ما يجب فيه الخمس، الحديث 9.
2ـ سورة الشورى: الآية 23 .
3ـ اختيار معرفة الرجال: 616 / 1088 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 79ــــــــــــــــــــ

وكلاء الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام:

1 ـ أيوب بن نوح بن درّاج: قال الشيخ النجاشي: أبو الحسين كان وكيلاً لأبي الحسن وأبي محمد عليهما السلام ، عظيم المنزلة عندهما، مأموناً، وكان شديد الورع، كثير العبادة، ثقة في رواياته، وأبوه نوح بن درّاج كان قاضياً بالكوفة، وكان صحيح الاعتقاد، وأخوه جميل بن دراج ...

رأيت بخطّ أبي العباس بن نوح فيما كان وصّى إليّ من كتبه، عن جعفر بن محمد، عن الكشي، عن محمد بن مسعود، عن حمدان النقّاش، قال: كان أيوب من عباد الله الصالحين. قال أبو عمرو الكشي : كان من الصالحين، ومات وما خلّف إلاّ مائة وخمسين ديناراً، وكان عند الناس أنّ عنده مالاً(1).

وقال شيخ الطائفة في الغيبة : ذكر عمرو بن سعيد المدائني ـ وكان فطحيّاً ـ قال: كنت عند أبي الحسن العسكري عليه السلام ـ بصرياـ ، إذ دخل أيوب بن نوح ووقف قدّامه، فأمره بشيء، ثم انصرف، والتفت إليّ أبو الحسن عليه السلام وقال: يا عمرو، إن أحببت أن تنظر إلى رجل من أهل الجنة فانظر إلى هذا(2).

2 ـ علي بن جعفر الهمّاني. قال شيخ الطائفة في الغيبة : علي بن جعفر الهماني وكان فاضلاً مرضيّاً، من وكلاء أبي الحسن وأبي محمد عليهما السلام . روى أحمد بن علي الرازي، عن علي بن مخلد الأيادي، قال: حدثني أبو جعفر العمري رضي الله عنه، قال: حجّ أبو طاهر بن بلال، فنظر إلى علي بن جعفر، وهو ينفق النفقات العظيمة، فلمّا انصرف كتب بذلك إلى أبي محمدعليه السلام، فوقّع في رقعته: قد كنّا أمرنا له بمائة ألف دينار، ثم أمرنا له بمثلها، فأبى قبوله؛ إبقاء علينا. ما للناس والدخول في أمرنا فيما لم ندخلهم فيه . قال: ودخل على أبي الحسن العسكري عليه السلام فأمر له بثلاثين ألف


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ رجال النجاشي:102 / 254 .
2ـ الغيبة: 349 الحديث 307 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 80ــــــــــــــــــــ

دينار)(1).

3 ـ أبو علي بن راشد. قال شيخ الطائفة في الغيبة : أخبرني ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن الصفّار، عن محمد بن عيسى، قال: كتب أبو الحسن العسكري عليه السلام إلى الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها: قد أقمت أبا علي بن راشد مقام علي بن الحسين بن عبد ربّه، ومن قبله من وكلائي، وقد أوجبت في طاعته طاعتي، وفي عصيانه الخروج إلى عصياني، وكتبت بخطّي(2) . وروى محمد بن يعقوب، رفعه إلى محمد بن فرج، قال: كتبت إليه أسأله عن أبي علي بن راشد وعن عيسى بن جعفر [بن عاصم] وعن ابن بند، وكتب إليّ: ذكرت ابن راشد رحمه الله، فإنّه عاش سعيداً، ومات شهيداً، ودعا لابن بند والعاصمي، وابن بند ضرب بعمود وقتل، وابن عاصم ضرب بالسياط على الجسر ثلاثمائة سوط، ورمي به في الدجلة(3).

ويظهر من ترجمة الحسن بن راشد: أنّه كان وكيلا لأبي محمد العسكري عليه السلام .

4 ـ محمد بن أحمد بن جعفر القمي. قال شيخ الطائفة في أصحاب الإمام العسكري عليه السلام : محمد بن أحمد بن جعفر القمي وكيله عليه السلام ، أدرك أبا الحسن عليه السلام(4).

5 ـ علي بن مهزيار. قد مرّ في وكلاء الإمام الجواد عليه السلام.

6 ـ إبراهيم بن عبدة.

7 ـ الرازي أحمد بن اسحاق.

8 ـ البلالي محمّد بن علي بن بلال.

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ الغيبة: 350 الحديث 308 .
2ـ الغيبة: 350 الحديث 309 .
3ـ الغيبة: 351 الحديث 310 .
4ـ رجال الطوسي: 402 / 5899 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 81ــــــــــــــــــــ

9 ـ المحمودي.

10 ـ الدهقان.

يظهر ممّا ذكره الشيخ الكشي في رجاله : أنّهم من الوكلاء. قال: حكى بعض الثقات بنيسابور: أنّه خرج لإسحاق بن إسماعيل من أبي محمد عليه السلام توقيع: يا إسحاق بن إسماعيل، سترنا الله وإياك بستره،...ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم بن عبده، وفقه الله لمرضاته، وأعانه على طاعته، ... وكل من قرأ كتابنا هذا من مواليّ من أهل بلدك، ومن هو بناحيتكم، ونزع عمّا هو عليه من الانحراف عن الحق، فليؤدّ حقوقنا إلى إبراهيم بن عبده، وليحمل ذلك إبراهيم بن عبده إلى الرازي رضي الله عنه، أو إلى من يسمّي له الرازي؛ فإن ذلك عن أمري ورأيي إن شاء الله. ويا إسحاق، اقرأ كتابنا على البلالي رضي الله عنه؛ فإنّه الثقة المأمون العارف بما يجب عليه، واقرأه على المحمودي عافاه الله، فما أحمدنا له لطاعته. فإذا وردت بغداد فاقرأه على الدهقان وكيلنا وثقتنا، والذي يقبض من موالينا، وكل من أمكنك من موالينا فاقرأهم هذا الكتاب، وينسخه من أراد منهم نسخة ان شاء الله تعالى. ولا يكتم أمر هذا عمّن يشاهده من موالينا، إلاّ من شيطان مخالف لكم(1).

11 ـ أحمد بن إسحاق الأشعري. في دلائل الإمامة : وكان أحمد بن إسحاق القمّي الأشعري الشيخ الصدوق، وكيل أبي محمد. فلمّا مضى أبو محمد إلى كرامة الله عز وجل وأقام على وكالته مع مولانا صاحب الزمان ، تخرج إليه توقيعاته، ويحمل إليه الأموال من سائر النواحي الّتي فيها موالي مولانا. فتسلمها إلى أن استأذن في المسير إلى قم، فخرج الإذن بالمضيّ، وذكر: أنّه لا يبلغ إلى قم، وأنّه يمرض ويموت في الطريق، فمرض بحلوان ومات ودفن بها


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ اختيار معرفة الرجال: 616 / 1088 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 82ــــــــــــــــــــ

رضي الله عنه(1).

12 ـ عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه.

قال الشيخ في الغيبة : فأمّا السفراء الممدوحون في زمان الغيبة فأولهم: من نصبه أبو الحسن علي بن محمد العسكري وأبو محمد الحسن بن علي بن محمد ابنه عليهم السلام ، وهو الشيخ الموثوق به أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري رحمه الله، وكان أسديّاً(2).

وروى الشيخ في الغيبة أيضاًـ في حديث ـ: قال الحسن عليه السلام لبدر: فامض، فائتنا بعثمان بن سعيد العمري . فما لبثنا إلاّ يسيراً حتّى دخل عثمان، فقال له سيدنا أبو محمد عليه السلام: امض يا عثمان؛ فإنّك الوكيل والثقة المأمون على مال الله، واقبض من هؤلاء النفر اليمنيّين ما حملوه من المال.

ثم ساق الحديث إلى أن قالا: ثم قلنا بأجمعنا: يا سيدنا ! والله، إنّ عثمان لمن خيار شيعتك، ولقد زدتنا علماً بموضعه من خدمتك، وإنّه وكيلك وثقتك على مال الله تعالى. قال: نعم، واشهدوا على: أنّ عثمان بن سعيد العمري وكيلي، وأنّ ابنه محمداً وكيل ابني مهديّكم(3).

13 ـ جعفر بن سهيل. ذكر شيخ الطائفة في رجاله : جعفر بن سهيل الصيقل ، وكيل أبي الحسن وأبي محمد وصاحب الدار عليهم السلام(4).

14 ـ القاسم بن علاء الهمداني. خرج إلى القاسم بن علاء الهمداني وكيل أبي محمد عليه السلام : أنّ مولانا الحسين


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ دلائل الإمامة: 503 .
2ـ الغيبة: 353.
3ـ الغيبة: 355 الحديث 317 .
4ـ رجال الطوسي: 398 / 5833 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 83ــــــــــــــــــــ

عليه السلام ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان فصمه (1).

زمان الإمام الحجة بن الحسن عليه السلام.

تولّى عليه السلام الإمامة بعد شهادة أبيه بالسمّ، وعمره خمس سنوات، وغاب بعدها، وبذلك ابتدأت الغيبة الصغرى، الّتي استفاض ذكرها عن الأئمّة عليهم السلام قبل وقوعها. وفي هذه الغيبة كان الاتّصال بالحجّة عليه السلام متيسّراً عن طريق نوابه الخاصين ووكلائه في مختلف البلدان، فكانوا ينقلون للناس معالم دينهم وما يحتاجونه من المسائل عنه عليه السلام، كما يقبضون الحقوق الشرعيّة، ويوصلونها إليه، وهذا ما يؤكّد اهتمام الإمام عليه السلام ـ إلى جانب اهتمامه بإنقاذ الناس من الضلال وإرشادهم إلى الحق ـ بمسألة الحق الشرعيّ، بالرغم من حصول الغيبة والاستتار عن الناس، والظروف القاسية الّتي أحاطت بعصر الغيبة، وأوجبت على الإمام الاستتار، فلم ينقطع أمر الخمس باستشهاد الإمام العسكري عليه السلام، والمطالبة به، ولا أداء الشيعة له، بل كانت التوقيعات تتوالى منه عليه السلام في التأكيد على أمر الخمس وحرمة استحلال شيء منه، بل وارسال الرسائل للمطالبة به ممّن يعتقد بإمامته.

واستمر الحال إلى أن جاء دور الغيبة الكبرى، الّتي استتر فيها الإمامعليه السلام عن الناس، فلم يكن يتّصل بالناس حتّى عن طريق سفير أو نائب، وعيّن من قبله الفقهاء العدول ـ الذين هم حصون الإسلام وأمناؤه وورثة الأنبياء وأمناء الرسل ـ نوّاباً عامّين عنه عليه السلام. ومن ذلك الوقت توجّهت الشيعة إلى أعظم كيان عندها، وهو كيان المرجعية الدينـيّة، وفقهاء المذهب الحق، لأنّهم مستودع المؤمنين على دينهم الذي هو أعزّ الأشياء عندهم وأكرمها عليهم.

وكان من أبرز مهمّات الفقهاء العدول أن يفتوا الناس بما ورد عنه وعن آبائه الطاهرين عليهم السلام من أحاديث،


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ مصباح المتهجد: 572 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 84ــــــــــــــــــــ

ويقبضوا ما له من حق ويصرفوه فيما يحرزون فيه رضاه، ويكفلوا أيتام آل محمّد، ويدافعوا عن المعارف الحقة بردّ شبهات المخالفين وأعداء الإسلام، ويتولّوا قيادة الطائفة الشيعيّة وتوجيهها، والحفاظ على الكيان الشيعي من الهجمات المسعورة لأعداء آل محمّد عليهم السلام ، إلى أن يأذن الله له بالقيام؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويقيم دين الله في الأرض، ويستخلفه فيها.

وهذه الوظائف الملقاة على عاتقهم وغيرها تحتاج فيما تحتاج إلى دعم مادّي قوي، فكان سهم الإمام عليه السلام في زمن الغيبة خير معين لهم على تأدية تلك الوظائف، وانجاز تلكم الواجبات.

فسهم الإمام عليه السلام ـ إلى جانب أمور أخرى ـ قد ساهم مساهمةكبرى في حفظ المذهب الحق وأهله على مدى قرون متمادية، وما يزال، فهو الذي حفظ ارتباط الشيعة بمختلف طبقاتهم بالمرجعيّة الدينيّة؛ إذ الفقهاء بمثابة القادة، والشيعة بمثابة الجنود لهم. والمرجعيّة بما لها من المكانة في نفوس المؤمنين كان لها الدور الأكبر في حفظ الدين، وجمع شمل المؤمنين، وسد الكثير من حاجاتهم، وكان خير معين لهم على ذلك هو السهم المبارك للإمام عليه السلام.

كما ساعد السهم المبارك للإمام عليه السلام الناس في التغلّب على آثار إهمال واضطهاد الحكّام لهم عبر القرون الماضية؛ إذ المعروف من سيرة الحكام أنّهم كانوا يقصون أتباع أهل البيت عليهم السلام ، ويضطهدونهم، ويحرمونهم من أبسط حقوقهم كمواطنين

وساهم في إنشاء المؤسّسات الّتي تخدم المجتمع، وترفع من مستواه روحيّاً، وماديّاً وفكريّاً، كما ساهم في إنشاء الحوزات العلميّة، ومراكز العلوم الإسلاميّة، وساند إدارتها، وعمّر مكاتب المراجع، وهي الحريصة على نشر علوم أهل البيت عليهم السلام ، ورفع حاجة المحتاجين، والاجابة عن مسائل المؤمنين.

وجعل بإمكان القيادة الدينيّة وكذلك القاعدة الشعبية أن تعيش حرّة في تفكيرها، وفي مواقفها، من دون ارتباط


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 85ــــــــــــــــــــ

بالحاكم الجائر، أو خضوع له، ولم يعد بإمكانه أن يمارس ضدّهم أيّ ضغط يرونه في غير صالح الدين، ولا أن يستعملهم أداة لتحقيق مآربه، والوصول إلى غاياته.

فهم لا يستمدّون مكانتهم واعتبارهم ولا لقمة عيشهم منه، ولا يفرض عليهم أيّ ارتباط به، إلاّ في حدود الروابط العقائدية والدينيّة(1).

ولعل أهم الخصوصيّات الّتي تمتاز بها المرجعية الدينيّة الشيعيّة هي استقلاليّتها عن أيّ سلطة سياسيّة منذ نشأتها حتّى اليوم، فالحوزة العلمية لدى علماء الإماميّة ـ بجميع مكوّناتها من فقيه مرجع مجتهد، وأساتذة علماء، وطلاّب ومناهج دراسيّة وأنظمة ماليّة ـ بقيت مستقلّة عن أيّ نظام سياسي في الدولة، وهذا ما يجعلها حرّة في حركتها، متحرّرة عن أيّة وصاية أو أيّ ارتباط مشبوه، قد يؤدّي إلى مسلكيّة معيّنة، تحرف الحكم الشرعي عن طريقه وتحوّله إلى سلك خاضع لإرادة السلطة، بخلاف سائر المجامع الدينيّة للمذاهب الإسلاميّة، فإنّها نشأت وبقيت تحت وصاية السلطة السياسيّة الحاكمة في بلدها، كما أنّ رأس الهرم العلمي فيها يعيّن من قبل الدولة، وهكذا سائر رؤساء مجالس الإفتاء وغيرهم من المتصدّين للشؤون الدينيّة.

ولذا كان من الطبيعي جداً أن تكون الحوزة العلميّة واقعة تحت ضغط الحكومات المتتالية، كما أنّ من الطبيعي أن تدفع ثمن عدم خضوعها للسلطات غالياً، وقد كان للسهم المبارك أكبر الأثر في هذه الاستقلاليّة وحريّة الفكر والموقف.

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله 5: 95 ، الفصل الثالث الغنائم والأسرى .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 86ــــــــــــــــــــ

من أحاديث وتوقيعات الإمام الحجة بن الحسن عليه السلام بشأن الخمس:

1 ـ عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد على [من] الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري (قدس الله روحه) في جواب مسائلي إلى صاحب الزمان عليه السلام: وأما ما سألت عنه من أمر من يستحلّ ما في يده من أموالنا ويتصرّف فيه تصرّفه في ماله من غير أمرنا فمن فعل ذلك فهو ملعون، ونحن خصماؤه يوم القيامة؛ فقد قال النبيّ صلى الله عليه وآله: المستحلّ من عترتي ما حرّم الله ملعون على لساني، ولسان كلّ نبيّ ، فمن ظلمنا كان من جملة الظالمين ، وكانت لعنة الله عليه؛ لقوله تعالى : ﴿أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ (1) ... وأمّا ما سألت عنه من أمر الضياع التي لناحيتنا: هل يجوز القيام بعمارتها، وأداء الخراج منها، وصرف ما يفضل من دخلها إلى الناحية؛ احتساباً للأجر وتقرّباً إليكم [إلينا] فلا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه، فكيف يحلّ ذلك في مالنا ؟ ! من فعل شيئاً من ذلك من غير أمرنا فقد استحلّ منّا ما حرّم عليه، ومن أكل من اموالنا شيئاً فإنّما يأكل في بطنه ناراً، وسيصلى سعيراً(2).

2 ـ عن الحسن بن عبد الله بن حمدان ناصر الدولة، عن عمّه الحسين ـ في حديث ـ ، عن صاحب الزمان عليه السلام: أنّه رآه وتحته عليه السلام بغلة شهباء، وهو متعمّم بعمامة خضراء، يرى منه سواد عينيه، وفي رجله خفّان حمراوان، فقال: يا حسين، كم ترزأ على الناحية ؟ ولِمَ تمنع أصحابي عن خمس مالك ؟ . ثم قال: إذا مضيت إلى الموضع الذي تريده تدخله عفواً، وكسبت ما كسبت، تحمل خمسه إلى مستحقه، قال: فقلت: السمع والطاعة. ثم ذكر في آخره: أنّ العمري أتاه، وأخذ خمس ماله بعد ما أخبره بما كان(3).


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة هود: الآية 18.
2ـ كمال الدين 2 : 520 الباب 45 الحديث 49 ، وسائل الشيعة 9 : 541، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام عليه السلام، الحديث 7 مع اختلاف يسير .
3ـ وسائل الشيعة 9 : 542، الباب 3 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام عليه السلام، الحديث9 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 87ــــــــــــــــــــ

3 ـ عن إسحاق بن يعقوب فيما ورد عليه من التوقيعات بخطّ صاحب الزمان عليه السلام: أمّا ما سألت عنه من أمر المنكرين لي ـ إلى أن قال: ـ وأمّا المتلبّسون بأموالنا فمن استحلّ منها شيئاً فأكله فإنّما يأكل النيران. وأمّا الخمس فقد أبيح لشيعتنا، وجعلوا منه في حلّ إلى أن يظهر أمرنا، لتطيب ولادتهم، ولا تخبث(1).

4 ـ ذكر المحدّث النوريقدس سره قصّة الحاج علي البغدادي، وهي قصّة طويلة تدلّ على: إقراره عليه السلام ، وقبول ما أدّى من الخمس إلى جمع من العلماء(2).

من وكلاء الإمام الحجّة عليه السلام:

1 ـ أحمد بن إسحاق الأشعري. وقد تقدّم في وكلاء أبيه عليه السلام.

2 ـ عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه. وقد تقدم في وكلاء الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام .

3 ـ محمّد بن عثمان بن سعيد العمري رضي الله عنه. قال الشيخ في الغيبة : فلمّا مضى أبو عمرو عثمان بن سعيد قام ابنه أبو جعفر محمد بن عثمان مقامه؛ بنص أبي محمد عليه السلام عليه، ونص أبيه عثمان عليه، بأمر القائمعليه السلام(3). وروى عن محمد بن همام، قال: قال لي عبد الله بن جعفر الحميري: لمّا مضى أبو عمرو (رضي الله تعالى عنه) أتتنا الكتب ـ بالخطّ الذي كنّا نكاتب به ـ بإقامة أبي جعفر رضي الله عنه مقامه(4).

ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ وسائل الشيعة 9 : 550، الباب 4 من أبواب الأنفال وما يختص بالإمام عليه السلام، الحديث16.
2ـ ذكر الشيخ الأستاذ (حفظه الله): أنه عرضها على السيد الخوئي قدس سره وذكر أنها تدل على ثبوت الخمس من قبل الإمام الحجة عليه السلام، وقد قبل السيد ذلك وأقرّه عليه ، وقد نقلها شيخنا النوري في النجم الثاقب وقال: لو لم يكن في هذا الكتاب سوى هذه القصة المتقنة الصحيحة الحاوية على فوائد جمة، الحادثة في عصرنا لكفاه الله شرفاً ونفساً .
3ـ الغيبة: 359 .
4ـ الغيبة : 262 ، الحديث 324 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 88ــــــــــــــــــــ

4 ـ الحسين بن روح. قال الشيخ في الغيبة : علي بن محمد بن متيل، عن عمه جعفر بن أحمد بن متيل، قال: لمّا حضرت أبا جعفر محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه الوفاة كنت جالساً عند رأسه، أسأله وأحدّثه، وأبو القاسم بن روح عند رجليه. فالتفت إليّ، ثم قال: أمرت أن أوصي إلى أبي القاسم الحسين بن روح. قال: فقمت من عند رأسه، وأخذت بيد أبي القاسم، وأجلسته في مكاني، وتحوّلت إلى عند رجليه(1).

وعن أبي محمد هارون بن موسى، قال: أخبرني أبو علي محمد بن همام رضي الله عنه وأرضاه: أنّ أبا جعفر محمد بن عثمان العمري (قدّس الله روحه) جمعنا قبل موته، وكنّا وجوه الشيعة وشيوخها، فقال لنا: إن حدث عليّ حدث الموت فالأمر إلى أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي؛ فقد أمرت أن أجعله في موضعي بعدي، فارجعوا إليه، وعوّلوا في أموركم عليه(2).

5 ـ علي بن محمّد السمري. قال الشيخ في الغيبة : عن أبي عبد الله محمد بن أحمد الصفواني، قال : أوصى الشيخ أبو القاسم رضي الله عنه إلى أبي الحسن علي بن محمد السمري رضي الله عنه، فقام بما كان إلى أبي القاسم، فلمّا حضرته الوفاة حضرت الشيعة عنده، وسألته عن الموكّل بعده، ولمن يقوم مقامه، فلم يظهر شيئاً من ذلك، وذكر: أنّه لم يؤمر بأن يوصي إلى أحد بعده في هذا الشأن. (3)

وعن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه قال: حدثني أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب، قال: كنت بمدينة السلام في السنة الّتي توفي فيها الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري قدس سره، فحضرته قبل وفاته بأيّام، فأخرج إلى الناس توقيعاً نسخته : بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن محمد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك؛


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ الغيبة : 370 ، الحديث 339 .
2ـ الغيبة : 371 ، الحديث 341 .
3ـ الغيبة: 394 ، الحديث 363 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 89ــــــــــــــــــــ

فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيام، فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد، فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامّة، فلا ظهور إلاّ بعد إذن الله تعالى ذكره... قال : فنسخنا هذا التوقيع، وخرجنا من عنده، فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه، وهو يجود بنفسه، فقيل له : من وصيّك من بعدك ؟ فقال : لله أمر هو بالغه وقضى. فهذا آخر كلام سمع منه (رضي الله عنه وأرضاه)(1).

6 ـ جعفر بن سهيل الصيقل. وقد تقدم في وكلاء الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام .

7 ـ حاجز بن يزيد الوشّاء. قال الشيخ في الغيبة : عن أحمد بن يوسف الشاشي قال: قال لي محمد بن الحسن الكاتب المروزي: وجّهت إلى حاجز الوشّاء مائتي دينار، وكتبت إلى الغريم بذلك، فخرج الوصول، وذكر: أنّه كان [له] قبلي ألف دينار، وأنّي وجّهت إليه مائتي دينار، وقال: إن أردت أن تعامل أحداً فعليك بأبي الحسين الأسدي بالري. فورد الخبر بوفاة حاجز رضي الله عنه بعد يومين أو ثلاثة، فأعلمته بموته، فاغتمّ. فقلت [له] : لا تغتمّ؛ فإنّ لك في التوقيع إليك دلالتين: إحداهما: إعلامه إيّاك أنّ المال ألف دينار، والثانية أمره إيّاك بمعاملة أبي الحسين الأسدي؛ لعلمه بموت حاجز(2).

8 ـ أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي رحمه الله. قال الشيخ في الغيبة : وقد كان في زمان السفراء المحمودين أقوام ثقات، ترد عليهم التوقيعات من قبل المنصوبين للسفارة من الأصل، منهم أبو الحسين محمد بن جعفر الأسدي رحمه الله. أخبرنا أبو الحسين بن أبي جيد القمي، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن صالح بن أبي صالح، قال: سألني بعض الناس في سنة تسعين ومائتين قبض شيء، فامتنعت من ذلك، وكتبت أستطلع الرأي، فأتاني الجواب: بالري محمد بن جعفر العربي، فليدفع إليه؛ فإنّه من


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ الغيبة: 395 ، الحديث 356 .
2ـ الغيبة: 415 ، الحديث 392 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 90ــــــــــــــــــــ

ثقاتنا(1).

9 ـ أحمد بن إسحاق الأشعري.

10 ـ إبراهيم بن محمد الهمداني.

11 ـ أحمد بن حمزة بن اليسع. قال الشيخ في الغيبة : ومنهم أحمد بن إسحاق وجماعة خرج التوقيع في مدحهم. روى أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي محمد الرازي، قال: كنت وأحمد بن أبي عبد الله بالعسكر، فورد علينا رسول من قبل الرجل فقال: أحمد بن إسحاق الأشعري وإبراهيم بن محمد الهمداني وأحمد بن حمزة بن اليسع ثقات(2).


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ الغيبة: 415 ، الحديث 391 .
2ـ الغيبة: 417 ، الحديث 395 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 91ــــــــــــــــــــ

القسم الرابع: دفع الشبهات عن شرعيّة الخمس:

يتعرّض المذهب الحقّ اليوم لهجمات شرسة، تتناول مختلف جوانبه أصولاً وفروعاً، يقودها المتضرّرون من انتشار صيته، ويذكي أوارها السائرون في ركابهم، ومن جملة تلك الهجمات الهجمة على فريضة الخمس، عن طريق إثارة الشبهات حوله، ومحاولة تمييع هذه الفريضة المهمّة، وطمس معالمها. ونحن نتعرّض هنا لأبرز تلك الشبهات، ونشفعها بأهمّ الأسئلة الّتي تثار حول هذه الفريضة، مع الاجابة عن الجميع بما تسمح به هذه المقدّمة.

الشبهة الأولى:

أنّ خمس أرباح المكاسب الذي أفتى به فقهاء الإماميّة لو كان من الأحكام الشرعيّة لكان له أثر في عصر الرسول صلى الله عليه وآله وعصر الخلفاء الأربعة، مع أنّه لا أثر ولا عين له في التاريخ والأخبار، وإنّما كان الرسول صلى الله عليه وآله يعطي خمس غنائم الحرب.

والجواب:

إنّ هذا الإشكال إنّما يطرح من قبل أحد شخصين: إمّا شخصٌ لا يرى حجّيّة أقوال الأئمّة من أهل البيت عليهم السلام ، وأنّ قولهم قول رسول اللهصلى الله عليه وآله، فيجعل عدم وجود نصّ في هذا الموضوع دليلاً على: عدم حجّيّة أقوالهم عليهم السلام ؛ حيث إنّه لو كان خمس أرباح المكاسب واجباً لورد ذلك عن النبيّ صلى الله عليه وآله، ولا يثبت وجوب بعده صلى الله عليه وآله ، فما ورد من وجوبه عن الأئمّةعليهم السلام يصادم ما كان عليه سيرة النبيّ صلى الله عليه وآله من عدم الوجوب، فلا تكون لأقوالهم عليهم السلام حجّية بعد هذا.

وإمّا شخص يعتقد بعقيدة الشيعة الإماميّة في أئمة أهل البيت عليهم السلام ، فيجعل عدم وجدانه للنص المزبور في زمانه صلى الله عليه وآله دليلاً: إمّا على عدم صدور ما يستفاد منه وجوب الخمس في مطلق الفوائد الّتي


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 92ــــــــــــــــــــ

يستفيدها المكلف، أو على كون المقصود عن الأئمّة عليهم السلام استحباب الخمس في مطلق الفوائد، كما هو الحال بالنسبة إلى بعض موارد الزكاة.

وكيف كان فقد سبق منّا نقل بعض الرسائل والكتب من قبل النبيّعليهما السلام، وبيّنا: أنّ المراد من الخمس في جميع تلك الموارد هو خمس الأرباح، لا خمس الغنائم.

ويضاف إليه ما ورد في سورة الحشر من قوله تعالى: ﴿ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى﴾(1)، إذ الظاهر أنّه من الخمس؛ لقوله تعالى: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ﴾(2)، ولا حقّ لذوي القربى غير الخمس على الظاهر، ومورد الآية الشريفة ليس من الغنائم، بل هو من الفي‏ء، فيثبت الخمس في غير الغنائم الحربيّة.

وربّما يؤيّد ذلك بما رواه العامّة والخاصّة من ثبوت الخمس في الركاز، كما تقدم في أوائل هذه المقدمة.

ولعل عدم انتشار العمل بهذا الحكم يرجع إلى عدم وجود ما يفضل عن المؤونة، مع فقر المهاجرين، وإيثار الأنصار في تلك السنين، وعدم وجود مغنم يعتدّ به إلاّ ما كان يؤخذ من الحروب الّتي خاضها النبيّ صلى الله عليه وآله ؛ فإنّ المعادن والكنوز والغوص وأموال التجارة ـ وهي جميعاً من موارد فريضة الخمس ـ لم تكن شائعة آنذاك.

كما أنّ المستفاد من الروايات الكثيرة الواردة في الخمس: أنّه موكول إلى ما يراه الإمام عليه السلام‏ من مصلحة، فإن اقتضت المصلحة أخذه من الشيعة يأخذوه منهم، ويقسّموه على مستحقيه فإن وفى فهو ومع النقص فإنّ


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة الحشر: الآية7.
2ـ سورة الإسراء: الآية 26.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 93ــــــــــــــــــــ

الأئمّة عليهم السلام يجبرونه من عندهم وإن اقتضت المصلحة عدم أخذه لم يأخذوه، ولذا نجد الأئمّة يحلّلون شيعتهم من بعض ما يتعلّق به الخمس في فترات يرون المصلحة فيما في التحليل، فلولا وجوبه لما كان لتحليله معنى، وإنما حلّلوه للظروف القاسية الّتي كانت تمر بالشيعة، فأباحوا الخمس؛ لتزكو أموال شيعتهم، وتطهر أنسابهم.

الشبهة الثانية:

إنّ صدور تشريع الخمس في الأرباح وثبوته منذ عصر النبيّ صلى الله عليه وآله بعيد جداً، بل المطمأن به خلافه؛ إذ مثل هذا الحكم لو كان لشاع وظهر؛ لكثرة الابتلاء به ودواعي نقله من جهة، ولكونه يصبّ في مصلحة الحكّام المتولّين للسلطة بعد النبيّ صلى الله عليه وآله من جهة أخرى، فلو كان ثابتاً لسعوا في تطبيقه بلا ريب؛ لأنّه يزيد في شوكتهم وقدرتهم على الظلم.

والجواب عنها بما يلي:

أوّلاً: قد تقدّم في الجواب عن الشبهة الأولى ما يجاب به عن هذه الشبهة.

ثانياً: إنّ غاية ما يدلّ عليه التعليل هو عدم فهم المسلمين قبل عصر الصادقين عليهما السلام العموم والشمول لكل فائدة من الآية الشريفة، وهذا لا يدل على: عدم ثبوت ذلك واقعاً، فلعلّ النبيّ صلى الله عليه وآله ومن جاء بعده من الأئمّة عليهم السلام اخفوا بيانه إلى فترة؛ لمصالح وحكم، لعلّ منها معرفتهم أنّ الحق سيغتصب من أهله المنصوبين من الله سبحانه، فلذا لا داعي لبيان هذا الحكم الذي سيتسبّب بتقوية سلطان الغاصبين، واضفاء شرعيّة أخرى لابتزاز أموال المسلمين، وهو أمر كانوا يداومون عليه بلا وجه حق، فكيف إذا حصلوا على الصبغة الشرعيّة له؟


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 94ــــــــــــــــــــ

الشبهة الثالثة:

إنّ تشريع الخمس لبني هاشم قد أسّس الطبقيّة في المجتمع الإسلامي، وجعل أسرة النبيّ صلى الله عليه وآله من بني هاشم أسرة مميّزة اجتماعيّاً وماليّاً، بل ومترفّعة على غيرها، فهي لا تأكل من أموال بيت المال الّتي تتجمّع من الزكوات والضرائب؛ لأَنّها من أوساخ الناس، بل لها ماليّتها الخاصة في موارد الدولة.

الجواب:

أولاً: إنّ الخمس قد شرّع لسدّ حاجة الأصناف المذكورين في الآية، فنصفه مختصّ ببني هاشم المؤمنين بشرط الحاجة، بعد أن حرّمت عليهم الزكاة، ولا يشمل الأغنياء منهم، إلاّ أنّ في إعطاء الخمس لهم دون غيرهم تكريماً للنبي صلى الله عليه وآله، وتأكيداً على قدسيّته ومكانته في نفوس المسلمين، والخمس يعطى لمحتاجهم بقدر مؤنة سنته وما يرفع حاجته، وأمّا الزكاة فيمكن إعطاء مستحقّها مبالغ ضخمة تنقله من الفقر إلى الغنى.

ثانياً: إنّ الإهتمام بالفقراء من أسر الأنبياء أمر حسن ومحبّب لدى العقلاء، وإنّ من يتأمّل في آيات القرآن يشرف على الاطمئنان: بأنّ الله سبحانه قد اختار الأنبياء وأسرهم لتبليغ الدين. قال الله تعالى : ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(1). وقال بشأن أسر الأنبياء عليهم السلام : ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة آل عمران: الآيتان 33 و 34.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 95ــــــــــــــــــــ

آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ﴾(1).

بل إنّ من جملة الأمور الّتي شرّعها الله عزّوجلّ لحفظ هذا الدين هي تشريع الخمس لفقراء هذه الأسرة؛ فإنّ تشريع الخمس لهم يساهم في إيجاد الشعور بالمسؤوليّة المباشرة عن حفظ هذا الدين والدفاع عنه لدى فئة بعينها.

ومن الطبيعي أن تكون أقرب الفئات إلى الشعور بهذه المسؤوليّة الكبرى هم أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله ؛ بدافع من الشعور الطبيعي.

وممّا يزيد هذا الشعور لديهم ويجعلهم أكثر اندفاعاً إلى التضحية في سبيله أن جعل الله تعالى هذا الخمس، بمثابة ضمانة لهم ولعوائلهم، ووسيلة لتلبية حاجاتهم، الّتي تفرضها مسؤولياتهم تلك...

ومن ذلك كلّه يتّضح: أنّ العقيدة الحقّة أولى بالاستفادة من ذلك، ولكن في سبيل الخير والحق، فجاء هذا التدبير الإلهي؛ ليحفظ لها وجودها، ويساعد على بقائها، ويخفّف من الأخطار الجسام الّتي سوف تواجهها.

وقد رأينا : أنّ المذاهب الّتي لم يرض عنها الحكّام ـ حينما واجهت أدنى مقاومة أو معارضة ـ كان مصيرها التلاشي والاندثار؛ لعدم وجود ضمانات بقاء لها. أمّا مذهب أهل البيت ـ الذي هو رسالة الله الصافية ـ فإنّ فيه الكثير من الضمانات التشريعيّة والعلميّة الّتي تساعد على استمراره وبقائه في وجه أعتى القوى الظالمة والحاقدة، حتّى ولو استمر الاضطهاد له ولاتباعه القرون والقرون، كما قد كان ذلك بالفعل. وليكن ذلك هو أحد الأدلة على عظمة هذا الدين، وعلى شمولية وصفاء الإسلام الحنيف(2) .

ثالثاً: أنّ تشريع الخمس لآل النبيّ صلى الله عليه وآله ليس أعظم من تشريع أجر الرسالة المحمديّة من قبل الله


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة الأنعام: الآيات 83 ـ 89 .
2ـ الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله 5: 95ـ96 في الغنائم والاسرى .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 96ــــــــــــــــــــ

سبحانه في القرآن الكريم؛ فإنّه صلى الله عليه وآله هو النبيّ الوحيد الذي أوجب الله تعالى على أمته إعطاءه أجراً على تبليغ رسالته، وجعل هذا الأجر مودّة آله، فقال عزّ من قائل: ﴿قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾(1).

الشبهة الرابعة:

أنّ الخمس قد ذكر في الكتـاب الكريم مرّة واحدة، بينما ذكرت الزكاة عشرات المرّات، فلماذا التأكيد على الخمس؟ مع أنّ الزكاة موردها أشياء خاصة (الغلاّت الأربع، والنقدين، والأنعام الثلاثة)، بخلاف الخمس، فإنّه يتعلّق بأرباح التجارة كلّها.

والجواب:

إنّ كثيراً من أحكام الدين نزلت فيها آية قرآنيّة واحدة مثل: بعض آيات الطلاق والحدود، فهل يصحّ التنازل عن الأحكام التي في ضمنها لأنّها وردت في آية واحدة؟

هذا مضافاً إلى أنّه ليس من البعيد أن يراد بالزكاة عموم الحق الواجب في المال، أو مطلق النفقة وإن كانت مستحبّة، وعلى هذا يدخل الخمس في الزكاة، فكلما ذكرت الزكاة ذكر الخمس.

الشبهة الخامسة:

جاء في كتاب الخمس بين الفريضة الشرعيّة والضريبة المالية ما يلي:


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة الشورى: الآية 23.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 97ــــــــــــــــــــ

يقول الشيخ المفيد: قد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك ـ أي الخمس ـ عند الغيبة، وذهب كلّ فريق إلى مقال: فمنهم من يسقط إخراجه لغيبة الإمام، وما تقدّم من الرخص فيه من الأخبار.

ـ وبعضهم يوجب كنزه ـ أي دفنه ـ ويتأوّل خبراً مفاده: أنّ الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام القائم مهدي الأنام، وأنّه عليه السلام إذا قام دلّه الله سبحانه وتعالى على الكنوز، فيأخذها من كلّ مكان.

ـ وبعضهم يرى صلة الذريّة وفقراء الشيعة على طريق الاستحباب.

ـ وبعضهم يرى عزله لصاحب الأمرعليه السلام، فإن خشي إدراك المنيّة قبل ظهوره وصّى به إلى من يثق به في عقله وديانته حتّى يسلّم إلى الإمام عليه السلام إن أدرك قيامه، وإلاّ أوصى به إلى من يقوم مقامه في الثقة والديانة، ثم على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان ... .

وإنّما اختلف أصحابنا في هذا الباب؛ لعدم ما يلجأ إليه من صريح الألفاظ، وإنّما عدم ذلك لموضع تغليظ المحنة، مع إقامة الدليل بمقتضى العقل والاثر من لزوم الأصول في خطر التصرّف في غير المملوك إلاّ بإذن المالك، وحفظ الودائع لأهلها، وردّ الحقوق(1).

أول ما ينبغي أن يلاحظ أن القول الوحيد المستند إلى الأخبار الواردة عن الأئمّة من بين كلّ الأقوال الّتي استعرضها الشيخ المفيد هو القول الأول الذي يسقط إخراج الخمس.

وأمّا باقي الأقوال فهي:

ـ إمّا عارية عن الدليل بالكلّيّة، أي: الدليل النقلي المتمثّل بقول الإمامعليه السلام . ويعترف الشيخ المفيد: أنّ الخمس حق لغائب، لم يرسم فيه قبل غيبته شيئاً يجب الانتهاء إليه!


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ المقنعة للشيخ المفيد :285 ـ 287 .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 98ــــــــــــــــــــ

ـ وإمّا مستندة إلى تأويل.

ويلاحظ أيضاً: أنّ الفقيه أو السيد لا موقع لهما من إعراب هذه الأقوال جميعاً!(1).

الجواب:

سيأتي الكلام في روايات تحليل الخمس بالتفصيل في هذا الكتاب، وسيتضح: أنّ الحق هو ثبوت الخمس في زمان الغيبة، وأن التحليل الوارد في تلك الروايات مختص بموارد معينة، وليس اسقاطاً للخمس عن الشيعة بالكلّيّة. فهذا جواب عن القول الأول. ثمّ إنّ حصر الدليل في الدليل النقلي ليس بسديد كما لا يخفى. ولعل ملقي الشبهة غفل أو تغافل عن قول الشيخ المفيد ـ بعد أن ذكر: أنّه لا نصّ من الأئمّة على التصرّف في الحق في زمن الغيبة ـ : (مع إقامة الدليل بمقتضى العقل في الأمر من لزوم الأصول في حفظ التصرّف في غير المملوك إلا بإذن المالك، وحفظ الودائع لأهلها، وردّ الحقوق )، فلابدّ من ملاحظة مقتضى القواعد والعمل بها.

وعليه فيجب على من تعلّق الخمس بماله إيصاله إلى الإمام (صلوات اللّه عليه)، كما هو شأن كلّ مال كان بيد شخص وكان مالكه معلوماً، فيجب إخراجه إليه عليه السلام : بأن يقبضه إيّاه؛ لأنّه لا يتعيّن بدون القبض، ومن المعلوم عدم إمكان ايصال الأموال إليه عليه السلام، ومن ثمّ اختلفت الأقوال في تكليف من تعلّق الخمس بماله.

(والحق: أنّ مقتضى القواعد أن يصرف فيما هو أهم في نظر مالكه، وهو حفظ أساس الدين، ورفع قواعده، ونشر لواء التوحيد بنشر علومه ومعارفه؛ فقد كثرت أعداؤه، واستظهر بعضهم ببعض، فيجب القيام إلى الدعوة إلى سبيل الربّ بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالّتي هي أحسن، فصرف سهم الامام عليه السلام في ذلك أهم في


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ الخمس بين الفريضة الشرعية والضريبة المالية: 15.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 99ــــــــــــــــــــ

نظره قطعاً، إلى أن يقوم بأمر اللّه، فيرجع الأمر برمّته(1) إليه‏، عجل اللّه تعالى فرجه، وشرّفنا بلقائه )(2).

وأمّا وجوب إيصاله إلى الفقيه الجامع للشرائط حتّى يجري ذلك بيده فباعتبار أنّ له الولاية على المال المجهول مالكه، أو المتعذّر إيصاله إليه مع عدم الجهل بحاله كما في المقام.

ولا نقول: بأنّ له الولاية على الامام عليه السلام ، فحاشاه أن يكون لغيره ولاية عليه؛ فإنّ له الولاية على الكل باذن اللّه تعالى، كما قال: ﴿إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ﴾(3). هذا مضافاً إلى أنّ الفقيه أعرف بمصالح الدين، فيجب الرجوع فيها اليه. وأمّا سهم بني هاشم فمقتضى إطلاق الأدلّة من الكتاب والسنّة وجوب صرفه إليهم في عصر غيبة الإمام عليه السلام، كغيره من الأزمنة، كما دلّت تلك الأدلّة على أصل ثبوته‏(4).


ـــــــــــــــــــــــــ
1ـ في الاصل «بذمته» وما اثبتناه هو الموافق لاستقامة الكلام .
2ـ زبدة المقال في خمس الرسول والآل:142ـ143.
3ـ سورة المائدة: الآية 61.
4ـ زبدة المقال في خمس الرسول والآل: 143.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ الصفحة 100ــــــــــــــــــــ